بعد أزيد من أسبوعين على إصابته بـ"قنبلة مسيلة للدموع" في رأسه، أثناء فض احتجاجات 20 يوليو/تموز، أعلن "الوكيل العام" لدى "محكمة الاستئناف" بالحسيمة، أن الناشط الريفي "عماد العتابي" قد فارق الحياة صباح يوم الثلاثاء 8 أغسطس/آب، بالمستشفى العسكري بالرباط.
بهذه الجريمة تكون الدولة قد وسعت الفجوة التاريخية بينها وبين الريف، ووجهت ضربة أخرى للساكنة في ظرف وجيز، بعد الخطاب الملكي المخيب للآمال، ما ينذر بأن الأيام القادمة ستشهد تطورات في مسار الحراك الاجتماعي الذي تشهده المنطقة.
لقد اقتصر تعامل الدولة مع المطالب الاجتماعية التي رفعها سكان الريف منذ مقتل الشهيد "محسن فكري" أواخر أكتوبر/تشرين الأول من السنة الماضية، على المقاربة الأمنية، فقد كانت سبعة أشهر من الاحتجاجات السلمية، وقتاً كافياً لتفقد الدولة صوابها وتبدأ بنهج أساليبها القمعية بسل "الهراوات" وفتح "المعتقلات"، وكانت 75 يوماً بعدها كافية ليقارب عدد المتابعين والمسجونين الـ200 واللائحة تظل مفتوحة.. وقد كانت كافية أيضا ليرتقي "العتابي" شهيداً وموشحاً بوسام "أول شهداء الحراك الشعبي بالريف".
قمع.. واعتقالات.. وتهديدات.. وعسكرة شاملة للمدينة، كل هذا لم يمنع "عماد" الشاب الفتي، من الخروج يوم 20 يوليو/تموز، للمطالبة بـ"إطلاق سراح كافة المعتقلين" و"إحقاق نقاط الملف المطلبي"، وبلا شك فقد استحضر إمكانية اعتقاله، أو قمعه، أو حتى استشهاده.. لكنه بالرغم من ذلك "خرج" ليصدح بصوته في الساحة: "الموت ولا المذلة"، وفي هذا وحده رسالة كافية للسلطة الحاكمة بالمغرب إن كان فيها "عاقل".
وما سبق ينطبق على كل النشطاء، بل كل السكان الذي يخرجون في الاحتجاجات، فهم واعون جيداً بمخاطر خروجهم، خصوصاً بعد انكشاف حقيقة الدولة "البوليسية"، واتضاح أنها لن تتوانى في منع أي شكل احتجاجي مهما كلفها الأمر، ويعلمون جيداً ما قد يترتب عن ذلك من إصابات خطيرة أو اعتقالات، لكن كل ذلك يهون في عيونهم، فيخرجون جموعاً غفيرة رافعين شعار المرحلة "الموت ولا المذلة".
إن المقاربة الأمنية، في المرحلة الراهنة، وبالضبط في تعاملها مع حراك الريف، لن تجدي نفعاً بالنسبة للدولة، وذلك لعدة أسباب ذاتية متعلقة بـ"الجسم الاحتجاجي"؛ السكان أثبتوا تلاحمهم المبهر، وغيرتهم الكبيرة على دماء وأرواح أبنائهم، وموضوعية متصلة بالظروف التي نشأت فيها هذه التظاهرات؛ الحالة الاجتماعية والاقتصادية المتردية بالمنطقة، وأخرى تاريخية؛ المسار والمصير المشترك.
والأكثر من ذلك، أن "عماد العتابي" الذي هو ضحية "المقاربة الأمنية"، سيكون وقوداً جديداً يُحيي الاحتجاجات ويؤججها كما كان "محسن فكري" مشعلها، وستكون الدولة هي المسؤول الأول عما قد يقع بالريف؛ لأنها ماطلت بداية في الاستجابة لمطالب السكان، وواجهتهم بعدها بـ"الحديد والنار"، دون أن تعير أي اهتمام لسلامة المحتجين الذين يطالبون بحقوقهم العادلة والمشروعة؛ جامعة للدراسة، ومستشفى للعلاج، ومستثمرين يوفرون فرص شغل.
استشهاد "عماد" يمثل الرسالة الأخيرة للدولة، ليس لتسريع المصالحة مع الريف؛ لأنها تتطلب سنوات طويلة، لكن لضمان مصلحتها الخاصة؛ استمراريتها، لا بد لها من أن تستوعب الدرس، ففي نظري "الاعتقاد السائد" لدى "السلطة الحاكمة" بأن الأمور تحت سيطرتها، وهذا ما بدا في محاولتها أخذ "ثمن" ما اعتبرته "إهانة" بالقمع والاعتقال، وتدرجها في حل الأزمة وتأجيل ذلك وقتما شاءت من "عيد العرش" إلى "ثورة الملك والشعب" إلى… قد يجني عليها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.