اشتعل الأقصى بعد محاولة المحتل الإسرائيلي بسط سيطرته على المسجد الأقصى، ومحاولة فرض الوصاية عليه، ومع التفاف المقدسيين وصمودهم في الساحات اتحد الجميع خلفهم، وغابت الخلافات السياسية، وعمل الجميع وفق برنامج واحد، وغاب الانقسام الفلسطيني عن الساحة، فكانت كلمة المرابطين حول المسجد الأقصى تمثل الجميع، ومع النصر الذي حققه المرابطين، ومن خلفهم القوة الأحزاب والحركات الفلسطينية، جعل الجميع يتفاءل خيراً في ملف المصالحة الفلسطينية، وخاصة مع غياب الاختلافات السياسية، والوقوف صفاً واحداً أمام المشروع الصهيوني، نجح الأقصى في جمع شمل الجميع خلفه، وتوحدت الكلمة والبرنامج وعمل الجميع في الشارع معاً وبتناغم تام، كيف لا وهذا هو محور الصراع الفلسطيني – الصهيوني، ومهما اختلفت المرجعيات وبرامج والتكتيكات السياسية المتبعة، يبقى هدف تحرير بيت المقدس هو الهدف الأوحد الذي يجمع عليه الجميع.
ما حققه الالتفاف حول المسجد الأقصى ونصرة لمكانته وقضيته، وفتح لآفاق المصالحة الفلسطينية، وفرصة لطيّ صفحة الانقسام الفلسطيني، المستمر منذ أكثر من عشر سنوات، وبرغم عقد العديد من اللقاءات والاجتماعات والوصول إلى الكثير من التفاهمات والاتفاقات، فإن جميعها كانت حرباً لا ورقاً، ولم تنجح في الخروج إلى التطبيق العملي، وكان كل طرف يوجه الاتهام إلى الطرف الآخر في إفشال المصالحة الفلسطينية، إلا أن الوضع الحالي يساعد على مصالحة قابلة لتطبيق والحل، فالشارع الفلسطيني، والفصائل الفلسطينية في تناغم، والظروف القادمة من غزة بعد نجاح حركة حماس في المصالحة المجتمعية مع التيار الثاني داخل حركة فتح برئاسة محمد دحلان، والذي يعتبر الخصم الشرس لحركة حماس، وأحد أسباب الانقسام الفلسطيني، وطالما اتهمته حماس بالوقوف خلف الانقسام، والاقتتال الفلسطيني، ومع ذلك تم التوصل إلى مصالحة المجتمعية، والتي بموجبها تعهد دحلان برفع الحصار عن غزة وإدخال السولار والبضائع والمواد التموينية من معبر رفح المصري بدلاً من المعابر الإسرائيلية، وبموجبها أيضاً دفعت الديات لأهالي القتلى وتم تسوية العديد من الأمور العالقة، وبموجب هذه المصالحة لم يبقَ خارج المصالحة سوى التيار العباسي داخل حركة فتح، الذي يسيطر على مدن الحكم الذاتي داخل الضفة الغربية.
إن الوحدة خلف الأقصى والمصالحة المجتمعية في غزة جعلت حركة حماس تقدم على مبادرة للمصالحة مع التيار العباسي في حركة فتح، في خطوة باركتها الفصائل الفلسطينية، ورحب بها الجميع، إلا أن الموقف السلبي كان جواب السلطة في رام الله، والتشكيك في مصداقية ورغبة حركة حماس في إتمام المصالحة، وسرعان ما أطلقت التهديد تجاه القطاع وأن هناك إجراءات عقابية ستوجه إلى حركة حماس داخل قطاع غزة، أكثر شدة وصرامة من تلك التي تمت قبل أحداث المسجد الأقصى، والتي كان أهمها تقليص رواتب الموظفين المحسوبين على حركة فتح داخل قطاع غزة، ووقف ضخ السولار لمحطة كهرباء غزة، ووقف التحويلات الطبية من أجل العلاج خارج قطاع غزة.
لا يعرف شكل الإجراءات التي ستتخذها سلطة رام الله ضد غزة، كما لا يعرف السبب الحقيقي لرفض المصالحة مع حركة حماس، ولكن من الواضح أن السلطة في رام الله برئاسة محمود عباس، مستفيدة بشكل ما من غياب الانتخابات واستمرار الانقسام الفلسطيني، وفي طرحها لمفهوم المصالحة تريد مصالحة خالية من معارضة سياسية أو أغلبية سياسية تتشكل من خارج هذا التيار، فلا مصالحة إلى على برنامج رئيس السلطة محمود عباس، ولا حديث عن انتخابات متزامنة للمجلس التشريعي والرئاسي ولا لمؤسسات منظمة التحرير، وإذا كانت حماس متهمة بأنها منتفعة ولا ترغب بالانتخابات من أجل المحافظة على مصالحها، مع مصالحة حماس للتيار الدحلاني يبطل ذلك، ومع قرب عقد صفقة تبادل أسرى بين حماس وإسرائيل، تكون حماس قد تخلصت من جميع مشاكلها العالقة، وعليه لا قيمة للمصالحة بين حماس والتيار العباسي، والخاسر الأكبر هو محمود عباس رئيس السلطة الوطنية، إلا إذا كان يحمل لغزة ما حمله العديد من حكام العرب في المنطقة لشعوبهم؛ ليحافظ على مناصبه السياسية، ولكم في سوريا واليمن والعراق وغيرهم أسوة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.