المملكة العربية السعودية وخطى الشيخ المريض

لا أحد مطلقاً يرضى للمملكة العربية السعودية أو غيرها من البلدان العربية الآمنة الدخول في منزلق التخريب والانقسام الذي نراه رأي العين للأسف؛ لأن ذلك سيفوّت على المنطقة فرصة السلام، وسيرفع تكلفة الإصلاح أضعافاً وأضعافاً

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/06 الساعة 02:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/06 الساعة 02:27 بتوقيت غرينتش

لا خلاف في صعوبة الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية التي تمر بها المنطقة العربية، خاصة في جزئها الشرقي. ولا خلاف في أن الربيع العربي الذي أشرقت شمسه من الجزء الغربي للمنطقة يقع بين أسس هذه الاضطرابات ومصادرها، وإن على سبيل ثورات شعبية لم تكتمل وأخرى كُبتت ولم تتحقق.

وحديثنا في هذه المقالة يقع في الجزء الشرقي من المنطقة العربية؛ نظراً إلى ما لهذا الجزء من دور محوري في سياسة المنطقة العربية عامة شرقها وغربها، وللتطورات المتلاحقة التي يشهدها هذا الجزء، لعل آخرها موقف الحصار الكامل الذي اتخذته دول المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين، إلى جانب مصر، من دولة قطر.

وسنحاول في هذه الأسطر أن نفهم واحداً من المآلات الممكنة والخطيرة على المنطقة، في ضوء التلقي الشعبي الثنائي الحاد للتطورات بالخليج العربي. وهو تلقٍّ له دور مهم من حيث إسناد المواقف السياسية شعبياً.

لا يخفى كون المنطقة العربية، بُعيد الربيع العربي، واقعة تحت التجريب السياسي من لدن مشروعَين سياسييَّن اثنين، يقف وراء كل منهما تصور فكري لإدارة المنطقة داخلياً، وإنْ يتفق المشروعان في سبل التعامل مع الغرب خارجياً.

أما المشروع الأول، فهو الذي تقوده المملكة العربية السعودية وحلفاؤها والقائم على 4 ركائز: إرجاع الشعوب إلى بيت الطاعة، ودعم الديكتاتوريات القائمة في المنطقة، ومحاربة الحركات الإسلامية الديمقراطية، وتهميش القضية الفلسطينية.
ونلاحظ أن الموقف الفكري القائم خلف هذه الركائز هو مصادرة حق الشعوب في الحرية.

وأما الثاني، فذلك الذي بشَّر به المغرب الأقصى في تعاطيه مع الاحتجاجات الشعبية عام 2011 والتي عالجها الملك بإصلاحات دستورية تعطي حظاً كبيراً من السلطة لمن يرشحه صندوق الانتخابات ولو كان من الإسلاميين الديمقراطيين.

ويقع هذا الخيار المغربي ضمن خيارات أخرى مشابهة سابقة ولاحقة، منها ما تبناه الأتراك منذ مطلع الألفية، ومنها ما توافق حوله التونسيون بعد ثورتهم، ومنها ما تدل عليه السياسة القَطَرية الداخلية.

وتشترك هذه الخيارات، على اختلاف مستوياتها وصور إنجازها، في كونها تعترف بحق الشعوب العربية في التحرر وبأن آلة الحكم السائدة قبل ذلك تحتاج إنقاذاً، وبأن الإسلاميين جزء من الحل لا من المشكلة، وبأن القضية الفلسطينية قضية مركزية.

إلى هنا، لا يبدو المشروع الثاني حاملاً لما يهدد مصالح الشعوب والدول العربية، لكن يبدو جلياً أن المشروع الأول مستمر في ارتجاله وعنتريته دون التفات إلى الألغام التي يسلك سبلها ويسير في ركابها، راصداً في ذلك ما ملكت يمينه وشماله.

على أننا في حاجة إلى الاعتراف بمكانة المملكة العربية السعودية في عوالم ثلاثة: العالم العربي، والعالم الإسلامي السُّني والعالم الإسلامي عامة. فمكانة المملكة ثابتة لا من حيث ساستُها وسياساتُها داخلياً وخارجياً، وإنما من حيث المكانة التاريخية والرمزية الدينية باعتبارها أرض الحرمين وقِبلة المسلمين والموقع الجغرافي باعتبارها تتوسط ثلثي العالم: إفريقيا وأوروبا وآسيا، وتتوسط بؤر التوتر من كل ناحية: اليمن جنوباً، وسوريا والعراق شمالاً وفلسطين ومصر غرباً.

وهذا ما يجعل من كل ما يحدث فيها قِبلة تفكير العرب والمسلمين عامة ونقطة مركزية في شواغل الغرب كله. فالسعودية إحدى بوابات العالم العربي الثلاث إلى جانب الجزائر ومصر، وإحدى ثلاث أخرى بالنسبة إلى العالم الإسلامي السُّني إلى جانب مصر مرة أخرى وتركيا، وإحدى خمس بالنسبة إلى العالم الإسلامي إذا أضفنا إيران إلى قائمة الدول المذكورة.

الثابت إلى هنا، محورية المملكة العربية السعودية بالنسبة إلى العرب والمسلمين، خاصة في ظل اغتيال الديمقراطية في مصر وتأجيل فرصة شهودها الحضاري إلى أجَل غير معلوم، وفي ظل السياسات التركية المستعجلة في إطار تضميد جراحات المحاولة الانقلابية الفاشلة الصائفة الفائتة، وفي غمرة الحرب التي تتزعمها ضد الحوثيين.

كما أن الثابت أيضاً، كون المملكة العربية السعودية تقع في هذه المرحلة فوق رماد ساخن، إذا استحضرنا، إلى جانب ما سبق، عُسر انتقال السلطة بين أفراد العائلة الحاكمة وعسر توزيع الصلاحيات بين أفرادها.

إن كل هذا مجتمعاً، وزد عليه إقدامها على حصار دولة قطر، يرشح المملكة العربية السعودية إلى إمكان وقوعها في طريق عاصفة لن تُبقي ولن تذرَ. وما يزيد الأمر تعقيداً هو غياب أية إرادة لحلول سلمية وسليمة من قِبل السلطة الحاكمة؛ بل الجلي لكل متابع هو كون سياسة آل سعود داخلياً وخارجياً يليق بها تقييمها بكونها خارج الموضوع وخارج التاريخ وخارج الجغرافيا وخارج العقلانية والرشد والحكمة.

لقد كان بإمكان المملكة العربية السعودية وما جاورها -وإن ما زال الإمكان قائماً ولو بحظوظ أضعف- أن تَعْدِلَ عن خطى الشيخ المريض ومصير الانقسام الذي تكبده إلى سلوك مسلك الإصلاحات المغربية أو السياسات القَطَرية التي اعترفت للشعوب بحقها في الحرية والتحرر، ضامنة بذلك ولادة جيل جديد من الحكام أُلقيت دروس الربيع العربي في سنين شبابه.

إن ما سوى هذا من خيارات كالمجازفة بثورة شعبية على شاكلة ثورات الربيع العربي، رغم أن هذا غير متاح لأسباب يطول شرحها، يعد بمثابة استنساخ لأبشع ما في الثورات العربية من احتراب واقتتال وعدمية، فالوعي الثوري بما هو شرط الفعل الثوري يكاد ينعدم في الأوساط الشعبية الخليجية إلا فيما ندر.

وينعدم مع هذا منظمات المجتمع المدني التي يُفترض أنها تؤطر كل عمل شعبي ومجتمعي، فلا وجود في السعودية لأحزاب أو نقابات أو منظمات قطاعية، إلا إذا استثنينا بعض النوادي الثقافية المحيَّدة أصلاً عن الشأن العام.

ولا أحد مطلقاً يرضى للمملكة العربية السعودية أو غيرها من البلدان العربية الآمنة الدخول في منزلق التخريب والانقسام الذي نراه رأي العين للأسف؛ لأن ذلك سيفوّت على المنطقة فرصة السلام، وسيرفع تكلفة الإصلاح أضعافاً وأضعافاً، وسيؤجل إمكان الشهود الحضاري للأمة باعتبارها خير أمة أُخرجت للناس وَسَطاً لتكون شاهدة على الناس ويكون الرسول عليها شهيداً.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد