العلاقات السودانية – المصرية “1”

يلوم البعض الرئيس جمال عبد الناصر "لتفريطه" في السودان، ربما تناسى البعض أن مصر نفسها كانت مستعمرة بريطانيا، فكيف تكون مستعمَراً وحاكماً!

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/06 الساعة 03:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/06 الساعة 03:14 بتوقيت غرينتش

تمر العلاقات السودانية – المصرية بأسوأ مراحلها سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، لكن تظل العلاقات الاجتماعية هي التي تمر بفترة تعتبر الأسوأ في التاريخ لشعبي وادي النيل الذي تأثر بسوء العلاقات السياسية في الحكومات المتعاقبة.

سأقسم لهذا الموضوع ثلاثة مقالات بشكل مبسط، بدءاً من النظرة التاريخية، مروراً بالعلاقات السياسية والاقتصادية، وأخيراً العلاقات الاجتماعية، وهو ما يهم في هذا المجال، دون تفاصيل كثيرة، وللقارئ حرية التوسع في دراسته وحريته بمخالفته.

نظرة تاريخية:
فترة محمد علي باشا:
بدأت العلاقات بين الدولتين عندما كان محمد علي باشا حاكماً لمصر في أوائل القرن التاسع عشر، فشعر بخطورة وتهديد من الفرنسيين الذين كانوا يشكلون تهديداً واضحاً للمصالح التوسعية له، فخطط للتوسع الجغرافي، فأرسل وفداً من كبار مستشاريه بحجة المساعدة الاقتصادية وإرسال العون والمساعدة لأهالي الفرنج.

فتحركوا إلى مملكة الفونج التي كانت تحكم السودان وتمركزوا في منطقة سنار، فاستكشف هذا الوفد الوضع الأمني المتدهور والخلافات القبلية وسوء الأوضاع الاقتصادية، خصوصاً أن قبائل الجعليين في الشمال وكذلك الشايقية في خلاف كبير مع سلاطين الفونج.

رجع ذلك الوفد لمحمد علي حاملاً معه معلومات كبيرة عن الأوضاع الأمنية والسياسية التي تعيشها مملكة الفونج، فسال لعاب محمد علي باشا وأمر بالتحرك مباشرة لغزو الفونج، إلا أن مستشاريه نصحوه بالتريث قليلاً؛ حتى يستجمع جيشه بقوات أكبر، فكان التحرك في 1821 عندما ترأس جيش الاحتلال إسماعيل باشا، تحرك حتی وصل إلی منطقة دنقلا معقل قبائل الشايقية، وخاضوا معارك انتصر فيها جيش إسماعيل باشا ذو الـ4000 مقاتل على المماليك.

ثم انطلق جنوباً حتى وصل إلى عاصمة الفونج سنار وخاض معارك كبيرة حتى استولی عليها، ثم أمر بضم جميع مناطق السودان مثل كردفان وغيرها، واستتب الوضع حتى عام 1881 عند تحرير هذه المناطق بواسطة محمد أحمد المهدي، الذي يعتبر الآن بطلاً قومياً للسودانيين.

استمر الوضع مستتباً للدولة السودانية، حيث كانت الأوضاع في مصر مضطربة إثر قيام الثورة العرابية، ثم اهتزت الأوضاع الاقتصادية وحدثت المجاعة المعروفة بجماعة "سنة ستة" عام 1306 هجرية الموافق 1889م، فكان لها الأثر الأكبر في تدهور الدولة؛ مما زاد في أطماع الإنكليز، الذين استعمروا مصر في ذلك الوقت.

فترة الحكم الإنكليزي:
في عام 1896، أنذرت الحكومة البريطانية فرنسا من الزحف في اتجاه السودان، بعثة عسكرية مشتركة مع مصر لاحتلال السودان وكان قائد الحملة اللورد هربرت كتشنر، وقد هزم قوات الخليفة التعايشي في أم درمان في 2 سبتمبر/أيلول 1898، وسقطت الخرطوم في يد القوات الغازية وانتهت الدولة المهدية. بنهاية عام 1900، اكتمل بسط السيطرة على كردفان كاملةً وتركت دارفور تحت حكم علي دينار، الذي احتفظ بعلاقات طيبة مع الحكومة المركزية حتى قرب قيام الحرب العالمية الأولى.

ثورة 1924 وانحسار النفوذ المصري في السودان
بعد فشل ثورة عام 1919 في مصر، غيّر السلطان لقبه إلى "ملك مصر" بدلاً عن "ملك مصر والسودان"، في دلالة رمزية على إسقاط مطالباته بالسيادة على السودان بضغط بريطاني.

استمر تمركز عدد من الوحدات العسكرية المصرية في السودان حتى تم سحبها بعد اغتيال السير لي ستاك الحاكم العام للسودان في القاهرة، حيث أمهلت بريطانيا مصر 24 ساعة لسحب قواتها وموظفيها من السودان، وأخمدت حركة عسكرية سودانية محدودة قامت بها الكتيبة الحادية عشرة السودانية، وهي الأحداث التي عرفت في السودان بثورة 1924.

بعد ثورة 1925، لم يعد لمصر إلا النفوذ الاسمي الذي يمثله رفع عَلمها في السودان، خصوصاً بعد تكوين قوة دفاع السودان في 17 يناير/كانون الثاني 1925، لتحل محل القوات المصرية في الدفاع عن السودان. وانحصر تمثيلها في السودان بمكاتب الري المصري؛ لإدارة خزان جبل أولياء وجمع البيانات عن النيل.

نظرياً، استمرت معاهدة 1899 بلا تغيير حتى استُبدلت بمعاهدة 1936 بين شريكي الحكم.

مغالطات تاريخية:
في الخلافات بين البلدين، يذكر المصريون أن الملك فاروق كان يسمى "ملك مصر والسودان"، ويلوم البعض الرئيس جمال عبد الناصر "لتفريطه" في السودان، ربما تناسى البعض أن مصر نفسها كانت مستعمرة بريطانيا، فكيف تكون مستعمَراً وحاكماً! هي اتفاقية بين الإنكليز وحاكم مصر، الذي -كما ذكرت آنفاً- تراجع عن تسمية نفسه ملك مصر والسودان لخلافات مع الإنكليز وعدم اهتمامهم بآرائه.

المغالطة التاريخية التي هي موضع الخلاف الأكبر بين الدولتين، وهي مثلث حلايب وشلاتين وأبو رماد، هذه المناطق التي تقع بين الحدود الشمالية السودانية والجنوبية المصرية فيها خلاف تاريخي؛ ففي 1899 عندما اتفق كتشنر مع حاكم مصر على التنظيم الإداري للدولتين.

تم وضع حلايب في الحدود السودانية، وكل تلك الخرائط موجودة في المتاحف العالمية ومجلس الأمن ومعترَف بها في الأمم المتحدة. لكن الخطاب الإعلامي والمناهج التعليمية في مصر رسخت للكثيرين أن السودان كله لمصر دون دراسة تاريخية ومرجعية أخلاقية ودون مراعاة الجوانب الاجتماعية، وعدم وجود رابط سحني وقبلي بين الدولتين يبين حقيقة وضرورة مراجعة هذه المناهج التي زيفت الحقائق وأجَّجت الفتن بين شعبي وادي النيل.

في التدوينة القادمة، نبين أوجه الخلافات السياسية وتأثيراتها الاقتصادية علی الدولتين.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد