هل حان موعد الجمهورية الثانية في بلادي؟

حتى وإن استثنينا الفساد من المعادلة الجزائرية، فشلت منظومة الحكم في شكلها الحالي حتى في تطبيق القوانين التي أشرفت على وضعها، كما فشلت القوانين الموضوعة في ضمان استقلالية الأجهزة المختلفة، في حين فشلت جميع الأجهزة في ضمان مصلحة الشعب أمام الرغبة في تحقيق مصالح شخصية تَغفَل الأجهزة الرقابية في أحيان كثيرة عن كشفها أو تغض الطرف عنها أحيانا أخرى.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/05 الساعة 02:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/05 الساعة 02:40 بتوقيت غرينتش

السلطة والشعب ووهْم اللامركزية

تهدف نُظم الحكم الديمقراطي أساساً إلى ضمان سلاسة العلاقات في قلب كل جهاز من أجهزة الدولة وفيما بين الأجهزة أيضاً، ضمن ما يوضع من أطر قانونية يُفترض أن يضمن البرلمان المنتخب شفافيتها وتوافقها مع مصالح الشعب أولاً وأخيراً؛ لكونه المصدر الأوحد نظرياً للتشريع.

فتقيِّد هذه الأطر مهام الجهاز التنفيذي الذي لا يملك خلال تنفيذه خطط رئيس منتخب إلا أن يتحرك ضمن ما تضعه من حدود بما لا يتعارض والمصالح المذكورة سالفاً، بينما يسهر الجهاز القضائي على تقييد مخالفات الأجهزة جميعها والفصل فيها ضمن ما سبق أن حددته منظومة الحكم وقوانينه التي تقوم عليها البلاد.

منظومة الحكم بشكلها الحالي في الجزائر برهنت أكثر من مرة على محدودية أجهزتها في ضبط ممارسات المنتسبين إليها من رجال السياسة المنتخبين محلياً وأولئك المعيَّنين في الجهازين التنفيذي والقضائي. ولم يعد للبرلمان بشكله الحالي أي سطوة أو رأي بأمر الماكثين في السلطة والماسكين برقاب الجيش والشعب، عسكريين كانوا أو رجال مال.

في حين يُفترض بالنظم الديمقراطية -ولو نظرياً- ضمان استقلالية كل جهاز عن غيره، تكرِّس منظومة الحكم في الجزائر السطوة الفعلية للجهاز التنفيذي على باقي الأجهزة، ومن أبسط الأمثلة على ذلك تورط الولاة في الانتخابات التشريعية فيميلون إلى حزب دون آخر وفق ولاءاتهم السياسة أو الإملاءات الآتية من أعلى الهرم، بدل أن يكونوا الطرف المحايد في اللعبة السياسية كما ينص عليه القانون.

فهم أولاً الرجل الأول على رأس كل ولاية، ولا كلمة لأي منتخب أو جهاز رقابي أمام كلمتهم، وهم أخيراً معيَّنون من قِبل رئيس الجمهورية، وما من رجل آخر قادر على تنحيتهم أو محاسبتهم؛ ما يُبقي المجالس المنتخبة محلياً إجراءً شكلياً ينفخ بالون الديمقراطية الوهمية أمام هذا الحجم الهائل من السلطة والقوة المتروكة بيد 48 رجلاً محكِمين القبضةً على شرايين الحياة في ولايات الجزائر الثمانية والأربعين، ولكون الوالي غير منتخب، فلا ولاء له إلا لمن عيَّنه.

مثال آخر على أن فشل المنظومة الحالية في تنفيذ قوانين الجمهورية جلي في طريقة إدارة الولايات، التي يفترض أن تكون -وفق نص المادة الأولى من القانون رقم 07-12 مؤرخ في 28 ربيع أول عام 1433 الموافق 21 فبراير/شباط سنة 2012- جماعة إقليمية تنشأ بموجب القانون ودائرة إدارية غير ممركزة للدولة وتتمتع بالشخصية المعنوية والذمة المالية المستقلة، يشرف عليها مجلس منتخب يدعى المجلس الولائي.

غير أن كل هذا الكلام المعسول عن الاستقلالية واللامركزية التي تكاد تأخذنا إلى نظام فيدرالي ديمقراطي، يضرب به عرض الحائط بجعل الوالي المعين من العاصمة منفِّذاً للولاية وممثلاً لها وللدولة ومندوباً عن الحكومة. سلطة كبيرة لا يمكن للمجالس الولائية إلا أن تقف عاجزة أمامها!

وتُضرب باللامركزية والاستقلالية المالية للولاية التي يضمنها القانون مرة أخرى عرض الحائط إذا علمنا أن ممثلي الوزارات في المديريات المحلية يُعيَّنون من العاصمة، وتحدَّد الأغلفة المالية لمختلف النشاطات في الولاية ومشاريعها وفق برامج وُضعت في العاصمة، ولا تُرفع راية أو يُنظم عيد ميلاد إلا وكان تحت إشراف فخامة رئيس الجمهورية، فأين هي اللامركزية التي تضمن نظرياً مصالح كل ولاية وفقاً لما يراه سكانها مطابقاً لخصوصيات منطقتهم الثقافية والاقتصادية والجغرافية؟

حتى وإن استثنينا الفساد من المعادلة الجزائرية، فشلت منظومة الحكم في شكلها الحالي حتى في تطبيق القوانين التي أشرفت على وضعها، كما فشلت القوانين الموضوعة في ضمان استقلالية الأجهزة المختلفة، في حين فشلت جميع الأجهزة في ضمان مصلحة الشعب أمام الرغبة في تحقيق مصالح شخصية تَغفَل الأجهزة الرقابية في أحيان كثيرة عن كشفها أو تغض الطرف عنها أحيانا أخرى.

حلقة مفرغة من الفشل المبرمج في أداء المهام في ظل المنظومة الحالية أشبه بالحلقة المفرغة التي لا نهاية لها، فهل الحل لمنظومة الحكم الحالية منظومة حكم جديدة ترمي بالوجوه القديمة عرض الحائط ضمن جمهورية ثانية؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد