قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ" (الصف: 2-3).
أيها العلماء، يا مَن طالما صرختم في وجوهنا مرددين هذه الآيات، يا مَن علمتمونا أن الله سبحانه وتعالى يمقت مَن يقول ما لا يفعل، وكم سمعناكم تقولون: إن مداهنة الحكام الظلمة من أحط الأعمال، ومن أسفل دركات النفاق.
علمتم أن الساكت عن الحق شيطان أخرس، فلم تكتفوا أنتم بالخرس، بل تكلمتم وأيدتم الباطل وأعطيتموه السند الشرعي على بغيه وطغيانه، فلم تكتفوا بمرتبة الشيطنة الخرساء، بل إنكم انضممتم إلى كتائب الشياطين الناعقة بالباطل، المسبحة بحمد الطاغية، المحللة لقطيعة الرحم، وظلم الضعيف، ومحاربة مَن ينصر الحق.
لَكَم رأيناكم تبكون وأنتم ترددون قول المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم: "سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه، فقتله" رواه الحاكم – وصححه – والخطيب، وصححه الألباني. فهل كان بكاؤكم تمثيلاً أم كانت مجرد حالة وأنتم جالسون في التكييف فلمّا جاءكم ما عرفتم من الحق أصبحتم فتنة لنا؟!
هل نلتمس لكم العذر ونقول إنهم مكرهون؟ فلماذا نراكم على الشاشات في أتم هيئة وأكمل صورة؟ لماذ تصدرتم مجالس العلم واعتليتم المنابر وكراسي الدرس، طالما أنكم لا تطيقون الإيذاء، ماذا كنتم تحسبون؟ ألم يأتِكم نبأ مَن كان قبلكم من علمائنا وكبرائنا الذين مستهم البأساء والضراء ليتزحزحوا عن الحق فصبروا وثبتوا حتى استحقوا بجدارة أن نسميهم أئمتنا وسادتنا؟!
ولكم في قصة الإمام أحمد في فتنة القرآن قدوة ومَثَل إن كنتم من أولي الألباب، ألم يعذب الرجل ويسجن في ذات الله؟ ولم يتخذ من الرخص مطيَّة للدفاع عن مداهنة الطغاة والسير في ركابهم، على الرغم من أن الأغلبية الساحقة من علماء هذا العصر ترخّصوا في القول بخلق القرآن توقياً لغضب السلطان المستتبع عقابه.
ألا تعرفون أن الطغاة يتخذون منكم حلية لمجالسهم، ويدفعون عن أنفسهم شبهة الظلم بوجودكم بين ظهرانيهم؟ ألا تعرفون أن خنوعكم ومجاراتكم لسلاطين السوء يخلط على الناس أمرهم ويفتنهم، فلا يعرفون أعلى الباطل هم أم على الحق؟
أم أن الطغاة استطاعوا أن يكبلوكم بسلاسل الدنيا المذهبة، فلم تستطيعوا منها فكاكاً، لقد حاصركم الطغاة بالقصور العظيمة والسيارات الفارهة، ولكن دعوني أنصحكم وأقول لكم: ليس كل ما يلمع ذهباً، بل إنني على يقين أن هذه السلاسل ستستحيل إلى لهباً يحرقكم وما تحرصون عليه من حطام هذه الدنيا الفانية التي بِعتم آخرتكم مقابلها، فوالله إني لم أجد أخسر من تجارتكم ولا أخزى.
الآن فقط فهمت السبب الذي كان يمنع سادتنا من العلماء الفضلاء من قبول هبات السلطان، الآن عرفت سبب خوفهم من التمرغ في خير الخلفاء والأمراء، كانوا يخشون على أنفسهم من فتنة الدنيا، كانوا يخشون على أنفسهم أن يستوجبوا مقت الله -جل وعلا- عندما يقولون ما لا يفعلون، فيصبحون بذلك من شيوخ المقت.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.