عند تركيب البوابات الإلكترونية للكشف عن المعادن على مدخل بوابات الأقصى، لم يكن ليخطر ببال أحد أن تكون هذه البوابات امتحاناً واختباراً، وآلة للكشف عن معدن الرجال، ومدى الصدق والإخلاص للقضية الفلسطينية، وخاصة أن الوقت المختار لتركيب البوابات من قِبل المحتل الإسرائيلي، اختير بعناية مشددة، وبعد دراسة عميقة للوضع العربي المشتت، فلا يوجد دولة عربية لا تحمل هموماً ومشاكل داخلية، أو نزاعاً مع دولة عربية أخرى تشترك معها في الحدود.
فمصر مغيَّبة بعد الانقلاب العسكري وتخوض حروباً من أجل تثبيت أركان الجنرالات، حيث تراجع دورها الإقليمي، ولم تعد تلعب ذلك الدور بقدر طلبها العون والبحث عن مانحين ومعينين، ومن يقدمون الرز بلا سؤال، من داعمي الانقلاب؛ وسوريا تعيش حرباً أهلية منذ سنواتٍ، أتت على الأخضر واليابس؛ والعراق ليس بأحسن حال، فالقتل على الهوية والانتماء إلى الطائفة الدينية، ودولة لا تملك من مقومات الحكم سوى الاسم دولة، ومناصب ووزراء ورتب سامية بلا قيمة فعلية؛ والخليج منشغل بصراعاته الخفية والعلنية، وحصار قطر، وبث الفرقة، وفرض الوصاية، وإسكات منابر الحرية؛ واليمن يذبح أبناءه؛ وليبيا تفتَّتتْ أوصالها، وليست فلسطين بحال أفضل، بعد الانقسام والتفرقة سيد الموقف.
لم يكن يرغب نتنياهو في يوم أفضل من هذا اليوم لإعلان السيادة على المسجد الأقصى، فقام بتركيب الأبواب ونشر الجنود والمعدات، وكله أمل أنه لن يسمع اليوم صوتاً، ولن يتذكر أحدٌ الأقصى، ولن يشجب ويدين، ولن يستنكر أحد!
لقد أصاب نتنياهو في بعض ما قدر، إلا أن بالقدس رجالاً صُنعت من معادن لا تلين ولا تُكسر، وقفوا لمشروع سيادة الصهيوني على المسجد الأقصى، فخرج أهل القدس وناصَرهم فلسطينيو الداخل المحتل 1948م، فوصلوا الليل بالنهار على أبواب المسجد الأقصى، فكان اعتصامهم شعلة وأيقونة ألهمت الأمة، وتوحد الفلسطينيون في صراعهم مع المحتل، فاشتعلت فلسطين في وجه مخططات الصهيونية، وحلم الهيمنة على المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم داخل أسوار المسجد.
ومع انتشار المظاهرات الداعمة للقضية الفلسطينية من جاكرتا إلى أميركا، ومع تصاعد الاحتكاكات بين المعتصمين على أبواب المسجد الأقصى رفضاً للوصاية الإسرائيلية على الأقصى، بدأ الجميع يلحق بالمقدسيين. وبعد أن كان الصمت سيد الموقف، بدأت الأصوات تتهامس، وبدأت المواقف تتبلور؛ منها ما كان واضحاً ومناصراً منذ الدقائق الأولى، ومنها ما كان على خجل واستحياء، من كان وقحاً وعلا صوته معلناً "لن ننصر القدس والأقصى"، في سابقة عربية من الخذلان والتبعية!
ولم تتردد بعض الدول في تعطيل اجتماع جامعة الدول العربية وتأجيله؛ من أجل إعطاء متنفَّس للمحتل الإسرائيلي كي يجد حلاً بعيداً عن الضغوط العربية أو الإقليمية، لم يخطر ببال نتنياهو عند تركيبه الأبواب الإلكترونية لفحص المصلين والوافدين إلى المسجد الأقصى، أن البوابات تتعدى وظيفتها في الكشف عن المعادن التي يمكن أن يحملها الشخص معه، إلى الكشف عن نفسيات وتفكير ومعادن الرجال، فكان أفضلها -بلا منازع- معدن أهل القدس أبناء الرباط ومن ساندهم من رجال ونساء وأطفال، تركوا أعمالهم وبيوتهم وباتوا ليلهم قياماً، وكثير من أبناء الديار، فألغيت بعض الأعراس كما حدث في الأردن، وبمثل ذلك عمل بعض مسيحيي القدس تعبيراً عن غضبهم ونصرتهم للأقصى، ومنهم من قرر الفداء بدم فأشعل سلسلة من عمليات "اغضب للأقصى"، وقدم نفسه رخيصة فداء للقدس والمقدسات.
وكأي اختبار يتفوق فيه البعض، ويسقط فيه آخرون، فقد سقط في اختبار البوابات الإلكترونية الكثيرون، ورغم أن البعض يتظاهر بالدعم، وأظهر النصرة، والمساندة للمسجد الأقصى، وأعلن رفضه التام لما تقوم به إسرائيل من تغيرات في محيط المسجد ستؤدي إلى تهويده وتقسيمه لمكانين، وصولاً إلى بناء الهيكل المزعوم، فإن إجراءاته على الأرض تقول عكس ذلك.
إلا أن أكثر الراسبين في اختبار البوابات الإلكترونية هم الذين لم يُسمع لهم صوت مناصر للمسجد الأقصى، أو مستنكر لأفعال الاحتلال الإسرائيلي، وكان لسان حالهم "للأقصى رب يحميه"، إلا أن اختبار البوابات الإلكترونية أظهر أن الأقصى ما زال حاضراً في وجدان الكثيرين؛ بل الأغلبية، ولسان حالهم "نحن للأقصى رجال نحميه ونفديه"، فلا صوت يعلو على صوت المرابطين ومن ساندهم، ولا سيادة على أرض المسجد الأقصى إلا لأهل البيت أبناء القدس والأقصى.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.