ما يفعله تنظيم داعش من تدمير الآثار العالمية والعربية والإسلامية يماثل ما فعله التتار، كلاهما دمَّرا آثاراً لها أثر في وجدان أهلها.
فمنارة الحدباء التاريخية أو كما تسميها بعض المصادر التاريخية "بالطويلة"، تعد من أثمن الآثار الإسلامية التي اشتهرت بها مدينة الموصل، التي اتخذت أحد أسمائها منها، كما امتدت هذه الشهرة إلى عموم العراق والعالم، على دقة هندستها الجميلة بنقوشها البديعة التي تشكل آية من آيات الفن المعماري الإسلامي.
ومئذنة الحدباء كانت تقع في الركن الشمالي الغربي من جامع النوري الكبير وبارتفاع 55م.
لكنه وبعد مرور 834 عاماً على تشييدها سقطت الحدباء بفعل إجرام تنظيم داعش الذي أقدم على تفجيرها مساء 21/6/2017، بدمٍ بارد.
والآن بعد تدمير منارة الحدباء والجامع النوري الكبير الذي شُيد عام 1173م، هذه الخطوة المتوقعة من تنظيم داعش، فعلى سكان المدينة القديمة أن ينتظروا إرهاباً وتوحشاً بشكل أكبر في استغلالهم من قبل عناصر تنظيم داعش كدروع بشرية، وتنتقم منهم بوحشية مفرطة.
وأما عن الآثار المباشرة لتدمير المنارة فإن القوات الأمنية سوف ترتفع معنوياتهم للانتقام من عناصر داعش ومعاقبتهم بصولات مكثفة على هذه الجريمة التاريخية.
وسوف تنجح قيادات جهاز مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية بوضع قيود على خيارات فلول تنظيم داعش في محلات المدينة القديمة، وأيضاً تحدي قدرة الوحدات الداعشية على الاستمرار في كل جغرافية تلعفر والحويجة والقائم.
تدمير منارة الحدباء ليس نصراً للتنظيم الأكثر إرهاباً حول العالم في المعركة بطبيعة الحال، لكنه يرسخ في قلوب كل العراقيين قذارة هذه الجماعة عقيدة ومنهاجاً، ويفتح ثغرة في عقول الجهلة من أنصار تنظيم داعش ليفكروا وليتراجعوا، كوّة ضوء في العقول المظلمة، وأما تدمير الحدباء فمجرّد سلوك خبيث يؤمن به عناصر داعش وهو متوقع، وليس أقل قذارة من سبي الحرائر واستحلال الأعراض وسفك الدم بغير حق.
ما بعد الحدباء يمكن أن يكون نصراً مبيناً للقوات المشتركة العراقية، فما صَنَعته القوات الأمنية ليس نصراً عسكرياً، بل فعل إنساني ووطني، والتاريخ لوح يكتبه الأبطال بالدم والعقلاء بالصدق، وهو متاح في كل آن بالعراق.
لكن هذا يحتاج إلى فهم الواقع وكيفية التعامل معه، فالشهادة على داعش الإرهابي بالخبث لا تكفي دون محاربته بكل الطرق، وهو نصف الطريق، ونصفه الآخر الإيمان بالهوية الجامعة لكل العراقيين.
وحتى لا تتكرر حالات سيطرة الجماعات الإرهابية من تنظيم داعش والميليشيات في كل المدن العراقية دون استثناء، من المفيد إعادة النظر والتدقيق في كل الأسباب التي حفزت الإرهاب ووظفته وانسجمت معه، وتحديد مواطن القوة والضعف، وتشخيص الفكر المتطرف وعلاجه.
من وجهة نظري نحتاج إلى ترسيخ فهم الإنسان والإنسانية، قبل أن نبني الحجر فمع اتفاق الجميع على الرمزية العالية التي تحملها المنارة بحدبتها التي أضحت رمز المدينة الشاخص، إلا أننا يجب أن نتوقف عند كل الدماء التي سفكت بغير حق، والتضحيات التي قدمتها القوات الأمنية وقبلهم الأبرياء من المدنيين، ولا ننسى دموع الأطفال والنساء الثكالى بفقدهم لعزيز وغالٍ، فرائحة الموت تجول كل أزقة الموصل بأحيائها القديمة والجديدة.. سلاماً على حدبائنا التي أسقطت كل الظلاميين معها، والخلود للأبرياء من المدنيين الذين قضوا وهم لا يعلمون لماذا حدث ذلك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.