في خطوةٍ هامةٍ في الحرب على الإرهاب وعزل تنظيم "داعش" الإرهابي والقضاء عليه، أعلن الجيش العراقيّ يوم أمس سيطرة قواته على مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية؛ لتضاف تلك الخطوة إلى الإنجاز النوعي للجيشين السوريّ والعراقيّ بإعادة فتح الطريق البريّ الواصل بين البلدين؛ لما له من أهميةٍ جيواستراتيجية للمحور السوريّ الإيرانيّ وحلفائه، ولما له أيضاً من أهميةٍ اقتصاديةٍ للطرف العراقي باعتباره عودة عراقية إلى المتوسط براً.
وقد ذكر البيان أنّ قوات الجيش العراقي، بالتعاون مع مقاتلين من العشائر، تمكنوا من تحرير معبر الوليد على الحدود العراقية – السورية في إطار عملية تستهدف استعادة السيطرة على المنطقة الحدودية بين العراق وسوريا والأردن، تحت اسم عملية "الفجر الجديد" (17 يونيو/حزيران الجاري).
الحدث من حيث الأهمية الاستراتيجية هو إنجاز مهم ونوعيٌ لتطهير أجزاء كبيرة من محافظة الأنبار على الحدود السّورية – العراقية، ولكن كما يقال الشيطان يكمن في التفاصيل، فمع اللحظات الأولى لإعلان الجانب العراقي هذا الإنجاز المهم تبادرت إلى الأذهان جملةٌ من الهواجس والتساؤلات المرتبطة بهذه العملية تحتاج إلى إيضاحٍ لفهم مستقبل الحرب في الحدود؛ حيث يكمن المشروع الأميركي لسايكس – بيكو جديدة في المنطقة، في محاولة لتكريس مناطق نفوذ له تتيح له التحكم في عقدة المواصلات لمحور المقاومة:
الهاجس الأول: يرتبط بالقوات المشاركة، فقد أعلن الجيش العراقي أنّ قواتٍ من "الحشد العشائريّ" هي من سيطرت على تلك المنطقة، ومباشرةً يتبادر إلى الأذهان التساؤل المنطقي التالي: لماذا اختارت حكومة بغداد مشاركة تلك الفصائل وليس فصائل "الحشد الشعبي" التي حققت إنجاز فتح الطريق البري بين البلدين، وكما هو معلوم فالحشد العشائريّ يتلقى تدريبات على أيديّ القوات الأميركية في قاعدة عين الأسد في الأنبار، ونحن هنا لا نميز بين فصيلٍ عراقيّ وآخر فكلهم إخوة وجميعنا في خندقٍ واحدٍ في الحرب على الإرهاب، سيما أنّ البنية التنظيمية للحشد العشائري تتبع إدارياً للحشد الشعبيّ، فلماذا صدر البيان بهذه الطريقة؟!
الهاجس الثاني: وهو مرتبطٌ بتسمية المعركة أو العملية العسكرية باسم "الفجر الجديد" للإمساك بالحدود السّورية – العراقية، فهذا المسمى كانت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قد استخدمته في حربها الجديدة على العراق باسم "الفجر الجديد" بعد توقيع الاتفاقية الأمنية مع الجانب العراقي في العام (2010) بديلاً عن مسمى "حرية العراق" الذي ابتدعه جورج بوش الابن كمسمى لغزو العراق، والعملية الجديدة أتاحت للولايات المتحدة إمكانية بقاء (50) ألف جنديّ أميركي في العراق، وبالتالي الأمر يثير مزيداً من الهواجس حول طبيعة وأهداف تلك العملية، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى كانت فصائل من "الحشد الشعبيّ" قد أعلنت قبل أيام قليلة (5/6/2017) إطلاق عملية "إمساك الحدود" في إطار عملية "محمد رسول الله 2″، وحققت الوصول إلى شمال معبر التنف، فلماذا بادرت الحكومة العراقية إلى إطلاق عمليةٍ ثانيةٍ مشابهةٍ لعملية "الحشد الشعبي" وهو بكلّ تأكيد مكون أساسيّ من الجيش العراقي، أيضاً هنا هواجس مشروعة تطرح.
الهاجس الثالث: وهو مرتبطٌ بتوقيت العملية التي أتت بالتزامن مع زيارة ٍمعلنةٍ لدولة رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي إلى السعودية والتي أُجلت لأسباب تتعلق كما ذكر مصدر عراقي حتى "لا يحسب العبادي على محور معين في الأزمة"، فجميعنا يتذكر التوتر الكبير الذي حصل بين الطرفين العراقيّ والسعوديّ بعد إجراء مناورات رعد الشمال (شباط 2016) في حفر الباطن السعودية القريبة من الحدود العراقية في رسائل واضحة ضدّ إيران وفصائل "الحشد الشعبيّ".
هنا نضع هذه الهواجس في إطار ما يتوفر لدينا من معلومات فالولايات المتحدة منذ العام 2015 تمارس ضغوطاً على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، كي يرفض ويمنع وصول بعض فصائل الحشد القريبة من محور المقاومة، دون غيرها، إلى المنطقة الحدودية، إضافةً إلى الضغوط السابقة التي تمنع فصائل الحشد الشعبيّ من السيطرة على قضاء تلعفر، خصوصاً أنّ محاولاتٍ كانت قد جرت منذ أبريل/نيسان من العام الماضي من قِبل وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري لإقناع الحكومة العراقية بتسليم مثلث الحدود لوزارة الداخلية العراقية، والتي بدورها ستسلمه إلى لواء من الحشد العشائري قوامه (3000) مقاتل أغلبهم من الصحوات سابقاً مدربين أميركياً.. ضمن صفقة تتضمن حوافز اقتصادية أميركية للعراق، وهذا الأمر يقودنا إلى أحد استنتاجين:
الاستنتاج الأول: أن الحكومة العراقية قد اختارت فصائل "الحشد العشائريّ" للسيطرة على الحدود كـ"خيار الضرورة العقلانيّ"؛ للتخفيف من التأثيرات والتداعيات الإقليمية لوصول "الحشد الشعبي" إلى الحدود السورية – العراقية ضمن استراتيجية دولة الرئيس العبادي، وهي "النأيّ بالنفس عن استقطابات المحاور الإقليمية"؛ لتجنيب العراق منعكسات هذا الاستقطاب السّلبية على واقعه السياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ الضعيف، وليمتص النقمة الأميركية والخليجية عموماً.
الاستنتاج الثانيّ: هو أنّ الحكومة العراقية قد استجابت للضغوط الأميركية بتسليم مثلث الحدود لفصائل من "الحشد العشائريّ" لإبعاد "الحشد الشعبيّ عنه"، وهذا الاستنتاج هو خطيرٌ ولن نستعجل في تبنيه، لما له من تداعياتٍ على معركة الحدود السورية – العراقية تعززه تصريحاتٌ عراقيةٌ بالهدف الثانيّ لعملية "الفجر الجديد" وهي السيطرة على معبر القائم الحدودي من جهة البوكمال السورية، إضافةً إلى معبر ربيعة من جهة الشمال، فهذا يعني أنّ الولايات المتحدة تخطط لإعادة قطع الطريق البريّ الجديد بين البلدين، ونضع في هذا الإطار عملية نقل أنظمة الصواريخ المدفعية "هيمارس" إلى التنف (15/6/2017)، وبالتالي هي أيضاً في صدد الدفع بميليشياتها في البادية السورية نحو فتح معركة البوكمال والميادين قبيل اجتماع (أستانا 5) ولعلّ الولايات المتحدة تريد الزجّ بالحدود السورية – العراقية ضمن اتفاق مناطق "تخفيف التصعيد" لنشر مراقبين هنالك ما يتيح لها مراقبة طريق طهران بيروت براً عبر البادية السورية، وهذا الحدث سيشعل حرب الحدود على مصراعيها، وقد يشعل مواجهةً بين طرفي الحدود فأيّ محاولة لميليشيات سورية محسوبةٍ على الولايات المتحدة لقطع الطريق البريّ الجديد سيقابلها ردّ فعلٍ عسكريّ من قِبل فصائل الحشد الشعبيّ فالقضية حسّاسة جداً.
أخيراً لن نستعجل الحكم على أحد الاستنتاجين لما للأمر من حساسية، وتبقى كلّ الأمور معلقةً بانتظار توضيحات الموقف من الجانب العراقي، فسريعاً تحولت معركة الحدود السورية – العراقية إلى أولويةٍ لكلّ الأطراف، وهذا الأمر رفع من حرارة البادية كثيراً، ويبقى على الطرف الأميركي وحلفائه أن يتذكروا جيداً المعاني العميقة لقصف طائرة من دون طيار تابعة لغرفة عمليات الحلفاء في سوريا ميليشياتٍ محسوبةٍ على واشنطن بتواجد عسكريين أميركيين بعد إعلان تلك الغرفة بيان التحديّ في (7/6/2017) بالاستعداد إلى أيّ احتمال في مواجهة الولايات المتحدة وخطوطها الحمر الواهية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.