سماحة المفتي.. لقد أفتيتم بأن ما قامت به السعودية من حصار ومقاطعة لدولة قطر هو خير لأهلها، وأوصيتم في نهاية الفتوى بالتمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فأين نجد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن مقاطعة المسلم لأخيه المسلم ومحاصرته براً وجواً وبحراً أنه في مصلحته؟
ها هو كتاب الله وسنة رسوله اللذان أوصيت باتباعهما.. فهلا أسعفتنا بآية منه دليلاً على ما قلت؟ وها هي كتب السنة كلها..فهلا جئت بحديث حتى ولو كان ضعيفاً أو موضوعا يدل على ما أفتيت؟
أما أن سماحتكم لم تستند لآية من كتاب الله ولا لحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فمن أين جئت بهذه الفتوى؟ وإن شئت بهذه البلوى في أمر خطير كهذا؟
هل نزل على سماحتكم وحي من السماء؟
أم رأيتم رؤيا في المنام.. فافيتيم؟
أم هو اتباع لولي الأمر دون مناقشة أو محاورة؟
يا سماحة المفتي..
● أليس في مقاطعة شعب قطر تقطيع للأرحام التي أمر الله ورسوله بوصلها ونهى الله ورسوله عن قطعها؟!
لما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه في الحديث القدسي:
(يقول الله تعالى: أنا الرحمن وأنت الرحم شققت لك اسماً من اسمي.. فمن وصلك وصلته ومن قطعك قطعته).
● ألم ينهى الله نهياِ شديداً عن قطع الأرحام فقال تعالى: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم)؟
هل تعلم يا سماحة المفتي أن مقاطعة أهل قطر فرقت بين الزوج وزوجته، والأب وابنه، والأم وأولادها؟ فبالله عليكم ما هو الخير في هذا؟
هل تعلم يا سماحة أن أهل قطر قد صدوا ومنعوا من المسجد الحرام بسبب المقاطعة؟
فأي خير في هذا؟
هل تعلم يا سماحة المفتي أن شاباً سعودياً منع من تشييع جثمان أبيه والصلاة عليه بسبب فتواك؟
هل تعلم أن الأمهات السعوديات والإماريات والبحرينيات أجبرن على ترك أزواجهن وأطفالهن القطريين من أجل فتواك؟
هل تعلم أن الهم والغم والحزن والنكد والضيق والكرب قد أحاطت بأكثر من أحد عشر ألف زوج وزوجة بالإضافة إلى أولادهم وأقاربهم وأصدقائهم من أجل فتواك؟
هل تعلم أن صيحات الأطفال، وصراخ الرضع، وبكاء الأقارب عند فراق فلذات أكبادهم في ذمتك؟ فما هو الخير في ذلك؟
هل تعلم سماحتك أن هؤلاء جميعا سيتحولون إلى مبغضين للشريعة وأهلها، حانقين على المجتمع ونظامه، كارهين لأولي الأمر؟
فتزرعون في نفوسهم كره الوطن والحكام، ثم تسألون من أين أتى الإرهاب؟
كنا نتمنى أن تكون سبباً لجمع الشمل، وإزالة الخلاف، والصلح بين الإخوة الأشقاء.
كنا نتمنى أن تكون ناصحاً أميناً لولي الأمر، كما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
كنا نتمنى أن ترد ولاة الأمر عن ظلمهم إذا ظلموا، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)، قالوا عرفنا كيف ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً؟ قال: (أن ترده عن ظلمه).
كنا نظن فيكم أن تردوا ولاة الأمر الذين أشعلوا نار المقاطعة على إخوانهم في قطر ظلماً وعدواناً عن ظلمهم وعدوانهم.
أما أن تمشي في ركابهم، وتبرر ظلمهم، وتفلسف لعدوانهم، فهذا خلاف ما أمر الله به ورسوله.
●ألم تقرأ قول الله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا االله لعلكم ترحمون)؟
●ألم تقرأ في كتاب الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)؟
فأين تضعون المقاطعة لشعب مسلم، وجار ملاصق، في شهر الرحمة؟
في البر والتقوى؟! أم في الإثم والعدوان؟!
●ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ولا يحقره)؟
● ألم يحرم الشرع قطيعة الأخ لأخيه فوق ثلاث، يعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام؟
●أليس من صفات المسلمين (رحماء بينهم) فهل المقاطعة من صور الرحمة؟
● أليس من صفات المسلمين (يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)؟
لماذا تغافلت عن هذه الأدلة الواضحة الساطعة وأنت تصدر فتواك؟
نرجو منكم يا سماحة المفتي والأمة الإسلامية كلها أن ترجعوا عن فتواكم المخالفة للكتاب والسنة والإجماع، وأن تعملوا على جمع الشمل وإزالة أسباب الشقاق بين الأشقاء، عملاً بقوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).
أسأل الله أن يهدينا لعمل الخير وخير العمل، وأن يوفقكم لما فيه خير الأمة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.