اتفق أهل الكتاب على عقد مأدبة رفيعة على شرف زائر أشقر اللون والشعر، محبوب لديهم مكروه عند غيرهم، من أهل الشهامة والكرامة.
في ليلة من ليالي ألف ليلة وليلة، استُقبل الزائر وعائلته وسط ترحيب عظيم وضيافة عجيبة من رقص وهرج ومرج ومأدبات وُزع عليها ما لذَّ وطاب من أشهى الأصناف، وفرح الشعب بالزائر وابنته الحسناء التي لطالما سحرت أعينهم؛ فمنهم من بنى وقفاً على اسمها، ومنهم من طلب يدها ليُتم نصف دينه، والآخر راح مهللاً مكبراً، جاحظ العينين، معرضاً منكبيه، فاتحاً فاه، متآخذاً بحسنها البراق وإطلالتها البهية.
كان هدف الزائر تشتيت الصفوف وتفريق الجمع وبث التفرقة والهون في نفوس من أكرموه معتقدين أنهم قد نالوا مرتبة عالية عند جنابه، وأنه سيكرمهم مما ملكت يداه فور عودته الحميدة إلى بلاده.
خلال زيارته، عقد تحالفاً جيداً مع من استقبلوه بالأوسمة والقلادات، ووقَّع صفقات ومشاريع عديدة تخدم غاية في نفسه، وسط ضحك وتهليل مَن باعتقادهم أنها ستخدم مصلحتهم وسترتقي بهم إلى أعلى جنان الدنيا!
وقد خلق الزائر العجيب معجزاتٍ وأبعاداً جديدة لخلق سلام بين الشعوب وحل النزاعات بين المتخاصمين المساكين، ووضع حجر الانهيار الدولي الأساسي.
تم إكرام الضيف وحَسُن استقباله، وأوشك على الرحيل، فهمس في أذن من أكرموه قائلاً: يا جنودي المجهولين في الأرض، أوصيكم بتقواي وإياكم وإغضاب أمكم سرؤولة، غداً فجر جديد وعهد جديد سيقوم على امتلاكنا للأرض ومن عليها ودحر العدل من زواياها، ونشر الظلم والفساد غير المباشر بين أهلها.
ثم قبَّلهم قبلة الوداع، تاركاً إياهم خلفه وعلى رؤوسهم الطيور ممددة أيديها عجباً منه!
بعد أيام قليلة من مغادرته، حصل اشتباك بين من أكرموه، وبدأوا بمقاطعة بعضهم بعضاً، وقذف بعضهم بعضاً ونعتهم بصفات لم يعهدوها هم على أنفسهم.. افترق الإخوة، إخوة الدم وجيران الحدود وصحبة اللغة.
افترقوا بعدما دس بينهم الزائر الكريم نار البغضاء والحسد، تنابزوا بالألقاب وقاطع بعضهم بعضاً، فئة كثيرة وقفت في وجه الفئة الأخرى؛ اعتقاداً أن الأخيرة داعمة لمعارضي الزائر ومعارضة لداعميه.
أصبحت هذه الفئة وحيدة تتلقى ضربات موجعات ممن لم يُتوقع يوماً أن يخذلوها ويقفوا ضدها، وما زالت صامدة تدعو ربها أن يمنَّ على من عادوها بالفهم والاستيعاب وإدراك أن الضيافة تلك لزائرهم ما هي إلا بداية النهاية!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.