ينتابني شعور بالقلق المملوء بالخوف.. أرى أمامي أحداثاً متشابهة وخيوطاً تتشابك وصراعات تتكرر بنفس الأسلوب وبنفس السيناريو.
الأحداث التي سبقت احتلال العراق متشابهة مع أحداث حصار قطر.. نفس الفاعلين مع اختلاف الأسماء.
في حرب العراق كانت أميركا حاضرة بمؤامراتها وخُططها.
أميركا خلقت الحرب الإيرانية – العراقية واستفادت منها في بيع الأسلحة بحجة دعم العراق ضد إيران.
أميركا أوحت إلى صدام بأن يكون وصياً على أمراء الخليج، وأنه يدافع عنهم، ولا بد لهم من أن يدفعوا عنه فاتورة الحرب.
اختلف صدام مع أمير الكويت على المال.. أميركا كانت مع صدام في أنه لا بد أن يأخذ منهم فاتورة الحرب، وأميركا في نفس الوقت مع أمير الكويت فمن حقه أن يمتنع عن الدفع، أو على الأقل لا يكون مطيعاً فهو الذي يدفع برغبته من أجل المساهمة في حرب صدام السّنة ضد إيران الشيعة.
صدام يأخذ الضوء الأخضر من أميركا بغزو الكويت واحتلالها. أميركا تتدخل للدفاع عن الكويت بعد أن فقدت الكويت كل شيء، ولجأ إليها أمير الكويت مقابل أن تحصل أميركا على كل شيء، تحصل على المال والنفط والوصاية والسيطرة.
طمع أميركا في مقدرات العرب والمسلمين هو نفسه ما حدّثت به نفس ترامب وصرح به في حملته الانتخابية بأن دول الخليج لا بد أن تدفع الجزية نتيجة حماية أميركا، فكانت رحلته إلى دول الخليج للحصول على (الرز)، فكان ذلك في شكل اتفاقيات بلغت 480 مليار دولار اعتبرها ترامب انتصاراً له في خلال الأيام القليلة من حكمه، ولا بد من خلق المبررات لصفقات الأسلحة، فكانت حربه على الإرهاب، والمتمثل في نظره هو كل مَن يحارب إسرائيل أو يختلف مع أميركا في الرأي.
في حرب الخليج أشاروا على صدام وقالوا إنه الإرهاب، وكانت مبررات الهجوم على العراق لاحتلالها أنها تمول الإرهاب مثل القاعدة وطالبان، وأن بها أسلحة دمار شامل، وأن بها أسلحة بيولوجية.
وفي حصار قطر أشاروا على قطر بادعاءات أن قطر تؤوي الإرهابيين، فهي تساعد الإرهاب بالأموال والسلاح، وأن قطر قامت بمساعدة ثورات الربيع العربي واحتضنت الإخوان المسلمين بعد الانقلاب العسكري في مصر بقيادة السيسي.
في حرب العراق.. العراق عربية، والكويت عربية، ويجب أن تحل الأزمة بينهما من خلال جامعة الدول العربية تماماً مثلما يحدث الآن.. قطر خليجية والسعودية والبحرين والإمارات خليجية، ويجب أن تحل المشكلة من خلال مجلس التعاون الخليجي.
في أزمة الكويت مع العراق قامت (مصر – مبارك) بدور سيئ من خلال جامعة الدول العربية، فقامت بإدانة العدوان العراقي على الكويت، واستغلته في إشعال الحرب بدلاً من إخمادها. مبارك ينفذ مخططات أميركا ويدَّعي خوفه على مصلحة العراق وعلى صدام أن يرضى بطلبات أميركا ويستجيب لها.
وكانت شروط أميركا لصدام بمثابة تعجيز وإذلال.
وكان أمام صدام إما أن يقاوم وإما أن يستسلم لكل الأوامر الأميركية، وكان مبارك يدعي دائماً بأنه نصح صدام وأرسل إليه أكثر من 70 رسالة ليستسلم، فليس هذا زمن الزعامات والبطولات، ولكنه رفض.
نفس الشيء الذي يقوم به أمير الكويت مع أمير قطر. قطر دولة خليجية وحل المشكلة يكون ضمن دول الخليج. وحل المشكلة عندهم بكل بساطة هو أن الولد ينفذ أوامر أبيه، وأن يأتمر أمير قطر بأوامر شيوخ الخليج حتى وإن كانوا شيوخاً جاهلين كبر بهم السن وعفا على تفكيرهم الزمن.
لا تحدثني عن السيادة.. السيادة في وحدة دول الخليج ووحدة دول الخليج تتمثل في إطاعة الأوامر الأميركية فقد أصبحت دول الخليج في حماية ترامب – أميركا. وترامب راضي عن شيوخها وهم يتسابقون لإرضائه برغم علمهم بأنه يحقد على أرزاقهم ويطمع في دخلهم.
أمير الكويت يريد احتواء الموقف وإعطاء مسكنات، وإعطاء المسكنات في نظر شيوخ الخليج هو حل لحين وجود بديل عن طريق المؤامرات والانقلابات.
إذا كنا نريد حل المشكلة فعلاً علينا أن نعالج جذور المشكلات.. نضع على الطاولة المشكلات الحقيقية ونتدارس في حلها ونجتهد في إزالة الخلافات بحكمة وعلم.
يجب أن تبحث الأسباب الحقيقية.. لماذا اعتبار حماس إرهابية؟ ومن هو العدو الحقيقي للمسلمين والعرب؟ ولماذا إسرائيل صديقة بينما إيران عدوة؟
ملفات كثيرة يجب أن تناقش ويستخرج لها إجابات مقنعة.. المسكنات ليست حلاً أبداً، وإنما تخفي تحتها قنابل موقوتة قد تنفجر في أية لحظة.
أميركا هي أميركا لم تتغير والعملاء هم العملاء وإن تغيرت الأسماء.
في حرب الخليج استطاعت أميركا أن تحشد الرأي العام العالمي ضد صدام مستغلةً نفوذها في إصدار قرارات إدانة من الأمم المتحدة، وكذلك من جامعة الدول العربية بمساعدة مبارك.
وفي حصار قطر حاولت السعودية والإمارات ومصر والبحرين استغلال قوة السعودية والإمارات والضغط على مزيد من الدول الإقليمية والدولية لتشارك في الحصار ضد قطر، واعتقدت الدول الأربع أن عدد المقاطعين سيزداد خلال ساعات أو أيام، ولكن خاب رجاؤها؛ حيث إن من أيَّد علاوة على الدول الأربع كانت موريتانيا وخرجت مظاهرات بداخلها ضد المقاطعة، وموريشيوس نفت موافقتها، والأردن اعترضت بعض الأحزاب على قرار ملك الأردن بخفض التمثيل الدبلوماسي، واليمن نصفها التابع للسعودية، وكذلك حفتر من ليبيا مجرد ميليشيا عسكرية وليست دولة.
وفي حرب تحرير الكويت كانت هناك عوامل ساعدت أميركا على الحشد ضد صدام، ولعل أبرزها أحداث سبتمبر/أيلول والحرب ضد طالبان والقاعدة وما كان من شأنه أن يستقطب الكثير من الدول لتكون بجانب أميركا، وكذلك الدعاية الكاذبة التي اتبعتها أميركا وحلفاؤها وعملاؤها بأن صدام يمتلك أسلحة دمار شامل، ويهدد العالم أجمع، ولا ننسَ الرحلات المكوكية للرئيس بوش، وكذلك توني بلير من أجل إقناع العالم بذلك.
وفي حصار قطر كان هناك فهم خاطئ وعدم تنسيق بين أميركا والسعودية والإمارات في المواقف.
فهم خاطئ من جانب السعودية والإمارات؛ إذا اعتقدوا أن مجرد إشارتهم على قطر بأنها راعية للإرهاب لترامب، فإن ذلك يعطيهم الضوء الأخضر للتحرك ضد قطر بموافقة أميركية، نسوا أن ترامب هو أول مَن فضحهم وأخبر عن تواطئهم معه ثم تصريحاته المتضاربة مع نفسه ومع المؤسسات الأميركية، مما يدل على عدم خبرة له في مجال السياسة، وكل ما يعرفه هو أنه رئيس أكبر دولة، ولا بد من أن يرجع لها هيبتها بأن يأمر والكل يطيع.
فكر دول مجلس التعاون الخليجي مبنيّ على أن المشكلات تحل من داخل المجلس (بقعدة عرب)، يأمر فيها الشيخ الأكبر ويطيع الأبناء بدون مناقشة؛ لأن ذلك في مصلحة وأمن الخليج، ونسوا أو تناسوا أن ثورات الربيع العربي التي يحاربونها قد طالتهم وبينت لهم أن عقول الأبناء أكثر فهماً ومعرفةً من عقول الشيوخ.
لكن هناك اختلافات
لم ينجح حصار قطر على المدى القريب، ولن ينجح على المستوى البعيد؛ نظراً لعوامل كثيرة، منها ما هو خاص بالاستراتيجية الداخلية ونجاحها في امتصاص الأزمة وتقبلها وإيجاد البدائل لحلها.
ومنها عوامل إقليمية ودولية أوضحت قوة قطر وتأثيرها في الدول الخارجية، فالتأييد الدولي لموقف قطر الكبير والداعم، وخاصة من دول لها ثقل استراتيجي مثل ألمانيا وفرنسا وروسيا وإسبانيا وبريطانيا والسويد والنرويج وغيرها، كان ضربةً قوية لدول المقاطعة حتى في وقوفها مع الحل السياسي، فهي تدعم قطر سياسياً ولا تشعرها بأنها وحدها؛ لترضخ لما يملى عليها داخل البيت الخليجي.
لم تتمكن الدول المقاطعة من جذب دول أخرى ذات وزن سياسي، وخاصة عندما أعلنت ألمانيا تأييدها لقطر، ورفضها لتصريحات ترامب، وذهاب وزير الخارجية السعودي (علي الجبير) إلى ألمانيا، محاولاً إقناع ألمانيا بأن قطر داعمة للإرهاب، فكان الرد بأن ألمانيا تعلم أن السعودية داعمة للإرهاب وعندها الأدلة على ذلك.
موقف تركيا الداعم لقطر الإسراع في موافقة البرلمان التركي على إرسال قوات تركية إلى قطر حسب الاتفاقية التركية – القطرية بعمل قاعدة تركية عسكرية في قطر لحماية أمن قطر والخليج، وكذلك إرسال شحنات مواد غذائية تركية لقطر.
موقف إيران المعارض لموقف السعودية والداعم لقطر وعرضها الوقوف بجانب قطر في تخفيف الحصار الاقتصادي على قطر بإرسال مواد غذائية إلى قطر.
ما أحدثته الأزمة القطرية من عداوات للدول المقاطعة من داخلها الشعبي؛ حيث إن شعوب دول الخليج نسيج واحد تربطه علاقات قوية من المصاهرة والمودة والتقارب الاجتماعي.. القطري متزوج من إماراتية، والسعودي له أبناء في قطر، والبحريني متزوج من سعودية، وهكذا شبكة من الرحم.. أخطأت تلك الدول في المقاطعة حيث عاقبت شعوبها، جعلت منهم أعداء لهم في شهر رمضان شهر الرحمة، ولعل تلك الخطيئة سوف تترك على المدى البعيد عداء شعبياً للحكومات لن يمحى أثره، وقد يكون سبباً في ثورات ربما تودي بعروشهم، خاصة أن دول المقاطعة تراهن على عامل الزمن.
اللافت للنظر أن قطر لم تستخدم حتى الآن أي رد فعل هجومي، فهي ما زالت تحافظ على سلامة البيت الخليجي، وما زالت ترضى بالحل من خلال الحوار الهادئ، وبرغم أن دول المقاطعة حظرت على مواطنيها مجرد التعاطف مع قطر، وقامت بتجريم المتعاطفين والمؤيدين وإرهابهم، فإن قطر لم تستخدم حتى مجرد قطع الغاز عن الإمارات مثلاً، فما زالت تتعامل كخصم شريف.
دور قناة الجزيرة الكاشف لكل المواقف عن طريق عرض كل المواقف بالبحث والتحليل، وبيان كل الأدوار بوضوح، وإظهار أبعاد المؤامرات الأميركية والصهيونية وإظهار تواطؤ حكام ورؤساء الدول، وخاصة الدور القذر للسيسي ولحكام الإمارات.
ولعل إظهارها المستمر لاختراق البريد الإلكتروني لسفير الإمارات في أميركا، وإظهار دور الإمارات في المؤامرات على الإخوان المسلمين ودعمها للانقلاب العسكري للسيسي، وتواطؤ الإمارات مع إسرائيل وأميركا، وتدخلها في ليبيا واليمن وسوريا، هو ما يزيد الأمور صعوبة.. فقطر لن تتخلى عن الجزيرة، والجزيرة لن تتخلى عن دورها المهني، وهنا صلب المشكلة؛ لذا سوف تطول المشكلة، وسوف تمر بمرحلة من الجمود؛ لعدم التوصل لحل سريع.. حل وليس إعطاء مسكنات.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.