لماذا نعيش أزهى عصور الانحطاط؟
لماذا وصلنا إلى هذا الحضيض؟
تُرى هل نحن عالقون في وضع يستعصي علينا الخروج منه؟
ترى هل نحن يائسون مكتوفو الأيدي أمام ثقب أسود يقترب منا فاغراً فاه ليبتلعنا كلنا في غياهب المجهول؟
أسئلة يطرحها المفكرون وأصحاب الفكر طيلة القرن الماضي وما زلنا نطرحها للآن وعلى ما يبدو أننا سنستمر بطرحها لعقود قادمة.
سيكتب التاريخ يا عرب.. أنكم اتفقتم على قطر في ستة أيام ولم تتفقوا على بشار الكيماوي في 6 أعوام ولم تتفقوا على إسرائيل في ستين عاماً.. يا لخذلانكم!
من المسؤول عن هذا الانهيار الأخلاقي الشامل؟ من الذي أفسد مجتمعاتنا بكافة نواحي الحياة الاجتماعية والسلوكية والاقتصادية والاجتماعية؟
أليس هناك سياسة إفساد منظمة بأغلب الدول العربية، بحيث يكافئ المفسد ويعاقب المحسن؟
ألا يتذكر العرب أبا جهل في أيام الجاهلية حينما هم والمشركون لقتل رسول الله، أنّ أحدهم قال لأبي جهل يا أبا الحكم، هل نحن قاتلون محمداً؟ قال: نعم، قال: فلم الانتظارُ حتى الصّباح، لم لا نتسوّر عليه وندخل البيت ونقتله ونستريح؟ فقال له أبو جهل: وتقول العرب إن أبا الحكم قد روّع بنات محمد في بيتهن؟! إنّه لسبَّةٌ في العرب أن يُتحدَّث أنا تسوَّرنا علي بنات العمّ وهتكنا الحرمة، لا واللّاتِ لا تفعلوا..
إنّه مشهدٌ عجيب، فأبو جهل ـ فرعون الأمّة ـ رغم الحقد والبغض الذي يحمله في قلبه لرسول الله صلى الله عليه وسلّم رفضَ اقتحامَ البيت وترويع البنات، منعَه خوف العار وسبّة النّاس له (الرأي العام)، كما منَعَته منظومةُ القيمِ التي كانت سائدةً في ذلكَ المجتمعِ رغمَ غرقِهِ في جاهليَّةٍ جهلاء.
فلذلك كن على ثقةٍ بأنّ أبا جهل وجميعَ فراعنة الأرض ـ على سفالتِهم ونذالتِهم ـ أشرفُ ألف مرّة من حكامنا العرب وشيوخ السلاطين، الذين يحاصرون البلاد ويروعون العائلات وفي شهر رمضان شهر المغفرة والرحمة.
لا أستطيع أن أخفي حزني وأسفي، وأن "أكثر ما آلم قلبي وقلوب المسلمين أن هذه القطيعة وهذا الحصار وقطع العلاقات السياسية بين البلاد العربية أصبح يتم في شهر رمضان من قبل دول عربية ومسلمة كان يفترض بها أن تكون الأب الراعي والناصح للدول الإسلامية في أوقات الأزمات".
يمكن أن تكون للدول رؤاها السياسية المختلفة، لكن أن يمنع الغذاء ويفرض الحصار فهذا عمل مشين، وأنا على يقين بأن ما اتخذ من قرارات أتى من المسؤولين وليس من الشعوب.
بل إنّ مقارنة هؤلاء المسؤولين بأبي جهل فيه ظلمٌ كبير للجاهليّة الأولى التي تخجلُ من خسارتِها أمامَهم بفارقٍ كبيرٍ من الانحطاطِ والإجرام!
لقد تغيرت الحياة، وعلينا التخلص من أغلال الماضي، نحن لا نحتاج إلى إصلاح أو تجديد لعقولنا فحسب، قد لا يكون ذلك كافياً، إننا نحتاج إلى هجرة من نموذج قديم إلى آخر جديد، هجرة كاملة، فالجدال والمنهج الذي قادنا إلى حيث نحن الآن لن يوصلنا على الإطلاق إلى حيث نريد.
لذلك، نحن بحاجة إلى أن نمتلك الشجاعة الكافية لننفتح من جديد، وأن نعيد إحياء ذلك الحمض النووي الذي توارثناه من القرن العاشر للإسلام، وأن نستأنف التجديد والتنوير والتحديث الذي كان جزءاً منا، ذاك الذي كان قائماً على الانتماء وكان عملياً في الوقت ذاته.
وعلينا أن ندرك أن عقيدة سليمة مع أنماط ومنهجيات تفكير مختلة لا تبني حضارة مطلقاً، وأنماط تفكير سليمة بدون عقيدة صحيحة تبني حضارة مادية خاوية، تحمل في طياتها عوامل الانهيار المتقدم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.