في الغالب نحن نستعمل كلمة خيال في اللغة بثلاث دلالات على الأقل: كصفة، وتعني ما لا يوجد إلا في المخيلة، الذي ليس له حقيقة واقعية، وكاسم مفعول، للدلالة على ما تم تخيله، وكاسم، وتعني الشيء الذي تنتجه المخيلة، كما تعني ميدان الخيال.
والخيال هو أن ترى وتسمع وتلمس وتشم وتتذوق ما تريد حتى تنجح في أمر ما يجب أن ترى نفسك فيه، ومن أبرز من تحدث عن الخيال:
فرانسيس بيكون: وُهِبَ الإنسان الخيال لتعويضه عما ليس فيه، والحس الفكاهي لتعويضه عما فيه.
وألبرت أينشتاين قال: الخيال أكثر أهمية من المعرفة، فهو يحيط بالعالم.
ونابليون بونابرت: الخيال يحكم العالم.
وريتشارد فاغنر: الخيال يخلق الحقيقة.
ومحمد علي كلاي: الرجل الذي ليس لديه خيال ليست لديه أجنحة.
هذه مقدمة؛ لكي أردف منها إلى قيمة الخيال في واقعنا الذي نعيشه، وعالمنا الذي يُؤّثر فينا، والتغيرات المتلاحقة التي تصيب منطقتنا، ومن ثمّ أتخيل معكم بعض الأحداث التي أثرت بشكل كبير في تركيبة المنطقة العربية، والتحولات التي حدثت أخيراً، ولعل البداية التي يجب أن أبدأ بها ما حدث في مصر:
– تخيل معي لو استمر حكم الدكتور مرسي لمصر إلى نهاية فترته الأولى، أو بمعنى آخر استمر المسار الديمقراطي الذي اختاره الشعب المصري بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني، ولم يحدث تدخل وتقليب للرأي العام من الجيش المصري على الرئيس وجماعته، أو بمعنى آخر لم يحدث انقلاب على المسار الديمقراطي، فهل ستكون الأحوال أفضل مما تعيشه مصر الآن من تخلف في جميع المجالات؟ أم أن إبعاد الرئيس مرسي الممثل لتيار الإخوان باختيار شعبي هو الأفضل والخيار الأصلح حتى لا يحكمنا تيار ديني (كما يقول البعض)؟ وهل الشعب المصري لا يستطيع أن يقرر مصيره ويختار من يمثله في كل المجالات، أم أنه لا بد له من أوصياء (نخب – عسكر – إخوان) يدلونه على الطريق الذي يجب أن يسير فيه؟
– تخيل معي لو أن الشعب المصري نال حريته كاملة، ولم تُصادر حرياته العامة وحرية التعبير، هل ستكون النتيجة أفضل لمصر وأهلها، واتّجه الناس إلى العمل والإنتاج والإبداع في شؤون الحياة، أم أن هذا الشعب إذا نال حريته، يسير في طريق الفوضى، التي عبرت عنها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة "كونداليزا رايس" بالفوضى الخلّاقة، وأنه يجب قهره واستعباده لكي يمكن السيطرة عليه، ومن ثمّ يكون العسكر هم أفضل من يحكمه ويسيطر عليه بالحديد والنار، وخصوصاً أن مصر تُحكم منذ حركة يوليو/تموز 1952 بالعسكر؟
– تخيل معي لو أن النخبة المصرية بكل فئاتها وطوائفها اشتركت في مشروع وهدف واحد لنهضة مصر وتقدمها، وسعت بكل الوسائل المتاحة لخدمة الشعب المصري، وتيسير سبل الحياة الكريمة له، وخصوصاً بعد ثورة وحدت الجميع من أجل إسقاط حكم مبارك الذي طمس معالم الحياة للشعب، أم أن الواقع المصري لا يسمح بمثل ذلك في هذه المرحلة حيث الجميع له أغراض خاصة، وتوجهات وأيديولوجيات مختلفة، ومن ثمّ يجب التنازع فيما بينهم، والتناطح حتى يسير الحكم والسيطرة للأقوى، ومن يمسك بخيوط اللعبة ويتواصل مع الخارج؟
– تخيل معي لو أن الإخوان قاموا بمشاركة كل من شارك في الثورة معهم في الحكم؛ لأن مرحلة ما بعد الثورات تحتاج إلى تكاتف الجميع، ولا يمكن لفصيل مهما كانت قوته أن يقوم بقيادة المرحلة الانتقالية، وخصوصاً أن الإخوان لم يسبق لهم خبرة سابقة في الحكم، أم أنه من الواجب اعتماد المسار الديمقراطي أياً كانت نتيجته، واختيار الصناديق، مهما كان مشوِّهاً للحقيقة، وغير مُعبر بشكل كامل عن الواقع، ومن ثمّ كان الأولى ترك المجال للإخوان الذين جاءوا عبر صناديق الانتخابات لاستكمال تجربتهم وتقييمها بعد ذلك، وليكن أيضاً الخيار للشعب من خلال الصناديق؟
– تخيل معي لو أن الشباب النقي الذي قام بالثورة، ولم يكن يعرف أنها ثورة، فكانت انتفاضته من أجل الظلم، وتحسين سُبل المعيشة والحياة، ولكن الله أرادها ثورة لإزاحة الفساد والظلم الذي جثم على صدور المصريين لعقود، هذا الشباب لو توحّد ولم تتجاذبه الخلافات السياسية المؤدلجة، والتيارات المختلفة، وثبت على وحدته التي أبهرت العالم في ثورة يناير، وأصرّ على تحقيق أهداف الثورة كما أعلنها في كل ميادين مصر، أم أنه لا يجب الاستمرار بهذه الطريقة الحالمة الخيالية المثالية التي لم يستفد منها الشباب إلا السجن والإبعاد، وعدم المشاركة في الحياة السياسية بحجة أن الصناديق أبعدتهم، ومن ثمّ وجب عليهم الانجذاب والتوجه لمصالحهم الشخصية وتسليم أنفسهم لمن يوظفهم لأغراضه، سواء بالإعلام أو بوعود في البرلمان أو غير ذلك؟
– تخيل معي لو أن الإعلام بكل وسائله لم يُوظّف من قِبل الثورة المضادة، وناصر أهداف الثورة إلى نهايتها، وخصوصاً أن الناس تتأثر بشكل كبير بوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، ودافع عن المظلومين، وأضاء الطريق أمام المصلحين، وفضح كل وسائل الفساد التي عششت في نفوس كثير من المسؤولين، وتعقّب الانحراف الأخلاقي والمجتمعي وفضحه لتصحيح المسار وتوعية الشعب بالحقيقة، أم أن الطريقة المثلى أن تُحجب الحقيقة عن الناس، ويُغيّب وعيهم؛ لأن الشعوب إذا تقدّمت انقلبت على ماضيها، ومن ثمّ غيرت الواقع الذي فرضه عليها الحكام الذين هم أدرى بشؤونه؟
– تخيل معي لو أن هناك تنسيقاً وتوحيداً للأهداف النافعة بين الدول العربية فيما بينها، وبين بعض الدول الإقليمية في المنطقة مثل تركيا وإيران، هل سيكون هناك عدو يطمع في مقدرات الأمة ويسعى للسيطرة عليها وتركيعها للكيان الصهيوني، أم أن الواقع الحالي، وخصوصاً الخلافات الخليجية فيما بينها، والتي امتدت لكامل المنطقة هي إفراز حقيقي للواقع الملموس والمخططات التي تُدار من خلفنا؟!
أتمنى أن نستفيق من غفلتنا، ولا نعطي الفرصة لعدونا في تدميرنا، فالوحدة أساس القوة، والقوة العادلة أساس الحكم الرشيد، والشعوب الواعية منطلق حقيقي لنهضة الأمة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.