في الـ21 من شهر مايو/أيار، ظهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب في قمةٍ حازت شهرةً عالمية في السعودية، جمعت رؤساء دول مجلس التعاون الخليجي والكثير من حلفائهم الإقليميين لتأكيد التزامهم بالحرب التي لا تنتهي ضد الإرهاب.
وبعد أسبوعين فحسب من هذا التاريخ، بدأتُ أتساءل ما إذا كان مجلس التعاون الخليجي سوف يتفكَّك هو الآخر كواحدٍ من مشروعات ترامب الكثيرة الفاشلة. فخلال الاحتفاليات التي جرت في الرياض، وافق المشاركون جميعهم على فحوى خطاب ترامب بأنَّ "الإرهاب سيئ".
وصفق المشاركون بحماس، ولمسوا بلورةً متوهجة، وعادوا إلى ديارهم ملتزمين بمحاربة عدوهم المشترك.
لكنَّ الطائرة الرئاسية الأميركية كانت قد غادرت الرياض بالفعل عندما شنت حكومتا السعودية والإمارات هجوماً دبلوماسياً وإعلامياً مُنسَّقاً بعناية على جارتهما قطر، ونسبتا تصريحاتٍ كاذبة لحاكمها، وحجبتا منافذها الإعلامية، واتهمتا حكومة قطر بدعم "الإرهاب".
ثم انضمت مصر والبحرين إلى السعودية والإمارات يوم الإثنين، وقطعت هذه الدول كل روابطها الدبلوماسية مع قطر. وفي اليوم التالي غرَّد ترامب معلناً دعمه الحماسي لحصار قطر، حليفة أميركا منذ وقتٍ طويل، وهو الأمر الذي ربما كان أحد أسباب مفاقمة الأزمة.
يمثل هذا التصعيد الأخير في هذه المنافسة الإقليمية تسويةً لحساباتٍ قديمة وتعزيزاً عنيفاً لرؤيةٍ وحدوية للشرق الأوسط.
وتشمل رؤية ترامب الواسعة لـ "الإرهاب"، والتي يشاركه فيها حلفاؤه السعوديون والإماراتيون، أي جماعةٍ أو حزب معارض للسلطوية أو الاحتلال، بصرف النظر عن انخراطه في عنفٍ فعلي من عدمه.
وعلى الرغم من عدم توصيف إدارة ترامب رسمياً لجماعة الإخوان المسلمين باعتبارها "منظمة إرهابية" حتى الآن، فإنَّها قد تبنت الرؤية القائلة بأنَّ الجماعة ينبغي أن تُعامَل كما لو كانت منظمةً إرهابية.
وكما تُظهِر رسائل البريد الإلكتروني المُسرَّبة حديثاً للسفير الإماراتي لدى واشنطن، يوسف العتيبة، فقد أنفقت الإمارات العربية المتحدة موارد طائلة للضغط على المسؤولين الأميركيين للتصديق على انقلاب 2013 العسكري في مصر، والذي وضع نهايةً عنيفة للحظة الثورية المصرية، والتحول الديمقراطي الهش الذي هيمن عليه الحزب السياسي التابع لجماعة الإخوان المسلمين.
وكشفت التسريبات أنَّ السفير الإماراتي قد نسق عن قرب مع أكثر مراكز الأبحاث المؤيدة لإسرائيل تشدداً في واشنطن، وذلك من أجل الترويج لرؤيةٍ للشرق الأوسط تعرض الأنظمة الملكية المحافظة، والدكتاتوريات العسكرية، وإسرائيل، باعتبارها حائط السد ضد التوسع الإيراني والإسلامويين السنَّة.
وأصبحت قطر هدفاً مركزياً لجهود الضغط السعودية الإماراتية الإسرائيلية المشتركة بسبب دورها المتصور في الترويج لجماعة الإخوان المسلمين، واستضافة أعضاء من المكتب السياسي لحماس، واتخاذها موقفاً أقل حدة تجاه إيران.
ومع أنَّ هذا الصراع كان يضطرم طوال الجزء الأكبر من العقد الماضي، فإنَّه من الواضح من التصعيد السريع الذي حدث خلال الأسبوعين الماضيين أنَّ زيارة ترامب قد أعطت الضوء الأخضر لاتخاذ هذا الإجراء الهجومي من قبل جبهة السعودية والإمارات.
وبعد ساعاتٍ من خطاب ترامب في الرياض، الذي أثنى فيه على إجراءات مكافحة الإرهاب التي اتخذتها دولٌ هي من أكبر منتهكي حقوق الإنسان في المنطقة، شنت قوات الأمن البحرينية واحدةً من أكثر غاراتها دمويةً منذ شهورٍ عديدة، واعتقلت السلطات المصرية محامياً بارزاً في مجال حقوق الإنسان، وحجبت المزيد من المنافذ الإعلامية البديلة.
وبينما كانت إدارة الرئيس الأميركي السابق أوباما تُشكِّل عائقاً كبيراً أمام أجندتهم، فإنَّ القادة السعوديين يعتقدون أنَّ الانفراجة التي جاءت مع ترامب قد أعطتهم فرصةً لتسوية حسابٍ طال أمده لسنوات.
كانت الخطيئة الأصلية لقطر أنَّها حاولت شق طريقٍ مستقل عن الهيمنة السعودية التقليدية على المنطقة؛ إذ تحاول قطر، منذ منتصف التسعينيات، الفرار من الظل السعودي الممتد، أحياناً حتى عن طريق تطوير علاقاتٍ أوثق مع حلفاء سعوديين تقليديين مثل الولايات المتحدة، والتي نقلت مقر قاعدة قيادتها المركزية إلى قطر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، وذلك لتكون منطلقاً لهجماتها لغزو العراق عام 2003.
وبدأت قطر بالتدريج تفوق السعودية بصفتها قائداً إقليمياً في حل النزاعات الأهلية، فاستضافت الأحزاب المتقاتلة في أفغانستان، والسودان، ولبنان، والأراضي الفلسطينية لإجراء محادثات مصالحة بينها.
ومن ناحيةٍ أخرى، دعَّمت قطر صعود مراكز قوى بديلة حول المنطقة، فأطلقت شبكة الجزيرة عام 1996 بهدف تسليط الضوء على وجهات نظر كانت مقموعة إلى حد كبير من الدكتاتوريات الإقليمية، بما في ذلك وجهات نظر المعارضة الإسلاموية.
ومعظم الاتهامات الحالية ضد قطر يرجع تاريخها إلى السنوات التي سبقت انتفاضات الربيع العربي عام 2010 وما بعدها. وبخلاف جيرانها، فقد قدمت قطر الدعم للإطاحة بالأنظمة السلطوية في مصر وتونس، وأيدت بشكلٍ عام الاحتمالات المختلفة التي قدمها العهد الجديد للانفتاح السياسي للشعوب المضطهدة في المنطقة.
وعادةً ما كان هذا الدعم يشق طريقه من خلال الأحزاب الإسلاموية، التي كانت مستعدةً لتولي السلطة بعد فوزها في انتخاباتٍ ديمقراطية مثل الإخوان المسلمين في مصر وحركة النهضة في تونس. وحتى وسط الأسئلة عن دوافع قطر لتبنِّي مثل هذه السياسة، أو حقيقة أنَّها لم تدعم الانتفاضة في جارتها البحرين، فقد وُضِعَت قطر في معسكر أعداء المؤسسة السياسية.
ومع انتصار موجة الثورة المضادة، والقمع الكامل لحركة الإخوان المسلمين في مصر وفي معظم أنحاء المنطقة، تراجع تأثير الجماعة على مجريات النظام الإقليمي، وهو الأمر الذي من شأنه أن يدفعنا إلى التساؤل: "لماذا هذا التصعيد الحالي؟".
يبدو أنَّ هدف هذه المعركة، إلى جانب معاقبة قطر على جرائمها السابقة، هو القضاء على آخر بقايا الأمل في أي فكرٍ سياسي مستقل في الشرق الأوسط.
ويفسر لنا هذا سبب استهداف الجبهة السعودية الإماراتية لمنظمات إعلامية دولية ومراكز أبحاث في معركتها المزعومة ضد الإرهاب، وسعيها لحظر مفكرين ومثقفين عرب بارزين.
وليس للمطالب التي تقدم بها زعماء السعودية والإمارات صلة تقريباً بمكافحة "الإرهاب"، لكنَّها لها علاقةٌ كبيرة بحجب كل صور المعارضة في منطقةٍ عادةً ما يرتبط صعود المعارضة العنيفة فيها بغياب الحريات السياسية.
وقد أثبتت إدارة ترامب، في معرض دعمها لهذه الإجراءات، أنَّ ملصق "الإرهاب" هذا لا يتعدى كونه مجرد أداة من أدوات السياسة الخارجية في يد الولايات المتحدة وحلفائها.
ـ هذا الموضوع مترجم عن النسخة الإنكليزية لشبكة الجزيرة. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.