بين الفن والإنسانية
من مهام الدين والفن والفلسفة توجيه نظر الإنسان إلى التساؤلات والألغاز والأسرار، وقد يؤدي هذا إلى معرفة ما، ولكن في أغلب الأحيان يؤدي إلى وعي بجهلنا، أو إلى تحويل جهلنا الذي لا نشعر به إلى جهل نعرف أنه جهل.
الفن.. ما هو الفن؟!
نسمع هذه الكلمة مراراً وتكراراً، كل يوم يتردد أمام أعيننا صفحات جرائد ومجلات وعلوم تدرس باسم الفن، وحضارات تترك لمساتها المعنوية والملموسة باسم الفن، وأناس يرحلون ويسطرون حروفهم في عالم الفن، ما هذا العجب؟! ما هذا الشيء الذي يسمى الفن؟
هل ما أكتبه من حروف في موقعكم الكريم له علاقة بالفن؟!
هل موقعكم الذي يستقبل التدوينات هل هذا العمل يندرج تحت أي نوع من أنواع الفن؟ فالتعبير عن الرأي فن، أو بالمعنى الأصح هل الحرية فن وهبه الله لإنسانية الإنسان؟
مَن الذي يسهر الآن ويدوّن بقلمه حروف الكلمات؟ هل هذه روحي التي لا يمكنني أن أستطيع تقييدها؟ من يدرك اللامعقول؟ ما من فيلسوف يجاوبني مَن الذي جعله يتأمل في عالم آخر هو لا يعرفه؟!
كثير من الناس ترسخت تلك الكلمة في عقولهم على أنها دور تمثيلي في فيلم أو مسلسل أو مسرح أو قصة لشكسبير، أو أن الفن في لوحات بيكاسو وألباتشينو وسلفادور دالي ودافنشي فى إبداعاته الموناليزا، أو في صوت رائع في لمسات بيتهوفن السيمفونية وموسيقى لريتشارد كلاديرمان، أو في نظرية ابتكرها عالم ما، وكلمات رواها شاعر سارق لقلوب العاشقين، وأديب سحر بكلماته التي تمتع القارئ، وفيلسوف تأمل ما حوله وتفنن في وصف الطبيعة.
وكل هذا صحيح أم لا، لا يهمني، فأنا أبرهن بكلمة واحدة على أن الفن هو الإنسانية بروحها وضميرها، فالإنسان هو الفن بكل ما يحتويه من فلسفة ومسارح ولوحات وسيمفونيات وكلمات وأبيات ونظريات.
فأنا الإنسان الذي أصنع كل هذا، أنا المؤلف والأديب والشاعر والعازف والرسام والمتأمل والمبتكر والعالم والمتعلم، أنا الروح والضمير بداخلي.
ما كل هذه القوة التي أمتلكها، فأستطيع أن أحرك مشاعر المتجمدين وأجمد المشاعر المتحركة، أستطيع أن أعرف معنى كل ما أقول، ويمكنني جهل بعض الأشياء أيضاً.
كيف ترى روحي عالماً آخر وتأخذني إليه في لوحة ترسم بيدي، أو تأمل أرى به ما وراء الظلام؟!
ربما تنطق روحي بكلمات لا أعرفها، أحياناً يؤلف عقلي قصة خيالية من واقعي، ويكتب قلمي مسرحيات واقعية من خيالي.
وسؤالي هنا: كيف أحيا بفن لا يموت أو بروح تتعطش للحرية والإنسانية؟
وجاء دور سطوري لأكتب عن ديني وعلاقته بالفن، من وجهة نظري فإن الإسلام هو من الأسباب الرئيسية لسمو وعلو شأن الفن، فالإسلام جامع يحتوي الروح والمادة والنفس والضمير بين الثقافة والحضارة، فهو عندي بمثابة الإنسانية أو بمفهوم أصح فن الإنسانية.
فخلق الله لي الطبيعة الخلابة؛ ليتأمل الفيلسوف، ويطرب الشاعر، ويرسم الفنان، ويكتب المؤلف، ويعزف الموسيقار، وتعيش الروح بفنون المادة، والضمير براحة النفس.
يا صديقي.. روحي تشتاق إليك، ويا لوحتي روحي تناديكِ بأقلامها.
ويا جيتاري الذي صنعته بيدي تحتاج أصابعي إليك لتعزف في عالم آخر ربما لا أحد يعرفه سوى الخالق.
حتى ما يسمون القتلة غالباً يتفننون في قتل ضحيتهم، فالروح شيء لا أحد يمتلك معرفتها ولا بوسعه القدرة على احتوائها.
فأنت الشيء الذي لا أعرفه، أتفنن في عبادتي وتأملي وطقوسي الروحية التي تنادي وتتجلى إلى خالقي في همسات يشعر بها قلبي في عالم الغيب الموجود.
وللأسف الآن الفن أصبح أكذوبة مادية يتداولها الناس حقبة وراء حقبة، فالمادة الآن تسيطر، الفن ترسخ في فستان قصير وساق عارية بيضاء تبهر الأرواح المادية، وكلمات سفيهة تافهة تسمعها الأذن المتعفنة، ومؤلفات تثير العداوة والسذاجة وحدود التفكير، وتأملات في طبيعة الشهوات وكون الماديات، ومعمار كبير، وحضارة خالية من ثقافة الضمير والروح.
فنحتاج إلى فن يحرر أرواحنا من عبودية أنفسنا لها، يا روحي تحرري كما خلقكِ الله عز وجل، انطلقي لتبدعي وترسمي وتؤلفي وتعزفي وتتأملي.
دعك من الفن المادي المنحرف ومن الحضارة الزائفة، فلتنظري إلى ما حولك فكل ما حولك يناديكِ.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.