الأزمة الخليجية وتداعياتها.. كلما اتَّسعت الرؤية ضاقت العبارة

وهكذا نجد أن هنالك مفارقة أقرب ما تكون إلى مقاربة لأطروحات العولمة السياسية فيما بين مجلس التعاون الخليجي ومنظومة الاتحاد الأوروبي، التي تنبئ عن ازدواجية براغماتية في عملية متناقضة، تُعبِّر عن شكل من تآكل الهوية وسلطة الدولة، فضلاً عن "التهديد الخارجي" الذي سبق أن طرحته الشيوعية، وتنامي تيارات الإسلام السياسي، وآليات استيعاب المكونات المجتمعية ضمن الروابط المعنية بالهوية والسلطة

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/13 الساعة 07:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/13 الساعة 07:33 بتوقيت غرينتش

"التعصب الأعمى لا يُثمر إلا الشرَّ" هذه العبارة قد تجدها في أدبيات الأحزاب والتنظيمات السياسية في البلدان العربية والغربية، عبر ملصقاتٍ دعائية، ابتداءً من مقرات مراكزها الرئيسية، مروراً بفروعها في المحافظات والمديريات.

ولعل ذلك يمثل رؤيةً ممنهجة تكمن في مقولة الشاعر الصوفي الكبير محمد بن عبدالجبار المنفري "كلما اتَّسعت الرؤية ضاقت العبارة"، لتشكِّل تلك العبارتان البنية السياسية والاجتماعية في رؤى محددة، ومؤشر استيعابها يعكس أداء هذه البنية لوظائفها، والتي تمثل روابط مشتركة بطريقة غير مباشرة، لكنها بادية للعيان من كونها تنشأ عبر معايشة مصير مشترك.

وهذا ما يعبّر عنه بتلك الطريقة حول الأزمة الخليجية -الراهنة- الدائرة في المنطقة العربية، والتي نتجت عنها آثار عميقة في الحياة السياسية والعامة في العالم العربي والإسلامي، وأدت إلى بناء مراكز جديدة لإصلاح المنظومة الإقليمية لمواجهة حالة "الكساد الكبير"، التي تشهدها المنطقة، وما سبقها من سياسات ما يُسمى "الاتفاق الجديد"، كمحاولة لإعادة إنتاج تلك المرحلة عبر إدارة أزمات مماثلة في الخليج العربي، والتي من المحتمل أنها عبارة عن إدارة استباقية تتجاوز الأعراف الدبلوماسية السائدة، ولكنها قد تمثل نوعاً من الجدل حول سياسات الأمن القومي، التي وضعتها الإدارة الأميركية الجديدة، وتعكس القدر المعنوي لأميركا.

ونجد ذلك في النتائج المترتبة على القمة الأميركية- العربية الإسلامية التي عُقدت مؤخراً في العاصمة الرياض، ويمكن على ضوئها إزالة التناقضات المتأصلة لدى الإدارات الأميركية السابقة، وألقت بظلالها على محاولة استخدام الدين والثقافة لحشد المشاعر الشعبية، وصرف انتباه جمهور "المجتمعات المستهدفَة" عن الاعتبارات الاقتصادية، وخلق بيئة ملائمة لاستيعاب المتغيرات الدولية والإقليمية، والتي تمثل انعكاساً ميكانيكياً لدوافع التمييز الإيجابي، والتصنيف المبني على التأثيرات المؤكدة أو المتوقعة حول الأفكار والبرامج والمعتقدات، التي تتعلق بالأوضاع الاجتماعية والسياسية واستقرارها ومدى مشروعيتها، وذات الصلة باستراتيجية المنافسة الجماعية أو العنصرية، أو الحراك الفردي، أو الإبداع الاجتماعي أو التحول الوطني، وهذه الاستراتيجيات ترتبط باستراتيجية التغير الاجتماعي، ومنها برنامج التحول الوطني: رؤية المملكة العربية السعودية 2030م.

وأبرز تلك المتغيرات تتمثل في وضع اعتبارات استراتيجية ماثلة في وضع المحددات اللازمة لإعادة التوازن السياسي والاقتصادي والثقافي في منطقة الخليج العربي، والتي تبدو أنها تواجه تحديات محاولة التأثير في السلوك السياسي المنظم لكينونة مجلس التعاون الخليجي، وإتاحة الفرص المتكافئة في وضع السياسات الاقتصادية والأمنية المتعلقة بالمنطقة، في إطار الجغرافيا السياسية لدول مجلس التعاون الخليجي ومحيطها الدولي والإقليمي، باعتبارها مجالاً راسخاً في البحث الجغرافي، الذي يعتبر الفضاء مهماً في فهم وتكوين العلاقات الدولية.

وقد يرى البعض أن التركيز على العلاقات الدولية بهذه الطريقة في عصر العولمة ليس مقنعاً، وقد يمكن الإشارة إلى آثار الحروب السابقة في تلك المنطقة التي "قد تتحد بعد حرب عامة وتتطور لاحقاً إلى أن تغير أزمة جديدة أو حرب نظام القوة"، وبذلك نجد في أي نظام "يبقى توزيع السلطة وتكوين التحالفات ثابتاً نسبياً"، والتي قد تعكس بصورة ضمنية مراحل تطور منظومة مجلس التعاون الخليجي، التي قد تتجاوز عملية التكوين والتأسيس والقواسم المشتركة إلى العملية الجدلية للمركزية، في ظل تلك المنظومة ومحيطها الدولي والإقليمي، وأدوات وضع الأجندات السياسية في إطارها الفكري بشكل عام، والتغيرات المتوقعة في السلوك السياسي لكل دولة على حدة.

وبناءً على ذلك وبحسب -مذهب ترومان- أشار الرئيس كارتر في العام 1980م: "ستعتبر محاولة أي قوة خارجية للسيطرة على الخليج الفارسي اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة، ستصد باستعمال أي وسيلة ضرورية بما في ذلك القوة".

وهكذا نجد أن هنالك مفارقة أقرب ما تكون إلى مقاربة لأطروحات العولمة السياسية فيما بين مجلس التعاون الخليجي ومنظومة الاتحاد الأوروبي، التي تنبئ عن ازدواجية براغماتية في عملية متناقضة، تُعبِّر عن شكل من تآكل الهوية وسلطة الدولة، فضلاً عن "التهديد الخارجي" الذي سبق أن طرحته الشيوعية، وتنامي تيارات الإسلام السياسي، وآليات استيعاب المكونات المجتمعية ضمن الروابط المعنية بالهوية والسلطة، حيث ترمي أهداف السياسة الخارجية لتلك الدول في الأساس إلى الحفاظ على هذه الروابط وخدمتها، في مسارات إجرائية تتضمن إعادة هيكلة للمؤسسات المعنية، التي يمكن أن تعمل في ظل نظام عالمي يستوعب العمق الاستراتيجي للدول المنضوية، في إطار تلك المنظومة، والتي تواجه صعوبة التحول من قوات جيوسياسية إلى قوات اقتصادية في مواجهة تداعيات بروز الولايات المتحدة كقوة عظمى عالمية.

للتأمل:
قد تسعى الجماعة الضعيفة إلى الاندماج والانصهار في الجماعة المسيطرة، وهذه الاستراتيجية تتطلب تغييراً ثقافياً وسيكولوجياً جذرياً لكي تنجح.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد