مرحباً بعودة نظام الحسن الثاني

يبدو أن النظام السياسي بالمغرب ليس مستعداً بعد لتقبُّل واستيعاب اللحظة والواقع الجديدين، ويبدو أن من يديرون ويحكمون البلد لم يتخلصوا بعدُ من عقلية وسياسة نظام الحسن الثاني وأعوانه (الغزاوي، أفقير، الدليمي، البصري وغيرهم..)، ذلك النظام الذي تبقى سِمَته الأساسية والأبرز ألا شيء يعلو فيها عن منطق العنف والقمع والاعتقال.

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/11 الساعة 04:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/11 الساعة 04:10 بتوقيت غرينتش

يبدو أن النظام السياسي بالمغرب ليس مستعداً بعد لتقبُّل واستيعاب اللحظة والواقع الجديدين، ويبدو أن من يديرون ويحكمون البلد لم يتخلصوا بعدُ من عقلية وسياسة نظام الحسن الثاني وأعوانه (الغزاوي، أفقير، الدليمي، البصري وغيرهم..)، ذلك النظام الذي تبقى سِمَته الأساسية والأبرز ألا شيء يعلو فيها عن منطق العنف والقمع والاعتقال.

فبالتدخل العنيف ضد حراك الريف السلمي يتبين لنا مرة أخرى -بما لا يدع مجالاً للجدال- أن كل شيء في هذا البلد -ظاهرياً – قابل للتغير والتحول إلا عقلية النظام، وكم كانت الحقيقة التاريخية والواقع المعيش على درجة عالية من الوضوح لأخذ الدروس والعبر في هذا الشأن!

حيث يتبين من كل مرة أن صلب الأشياء ومضمونها بقيا ثابتين، المتغير الوحيد والبسيط ضمن هذه منظومة القواعد هذه التي تشكل الميزة الأساسية لنظام الحكم بالمغرب هو الشكل فقط، ولم يتبق لنا غير الاعتراف والإقرار؛ بل ويجب أن نرفع القبعة عالياً؛ نظراً للبراعة المتقنة للغاية من الأخير في تجديد أساليبه الفوقية فقط دون أن يمس ذلك جوهر الأشياء وحقيقتها ومع ذلك يتم تصديقه في كل مرة وفي كل لحظة تاريخية فارقة.

فلم يكن القمع والتدخل العنيف ضد الحراك الاجتماعي بمنطقة الريف وما صاحبه من اعتقالات واختطافات إلا تحصيل حاصل، وذلك في ظل عودة العقلية الكومبرادورية في إدارة شؤون البلد، بما يبين بالملموس ألا حلول لبدائل ومشاكل أو أزمات البلد غير التدبير الأمني ومنطق العصا والحديد من قبل حاكميه.

فقد كان من الممكن تأويل ما يحدث في الحسيمة بكونه إجراء ظرفياً واستثنائياً أملته ضرورة استتباب الأمن وفرض هيبة الدولة، وكان يمكن تصديق رواية مواجهة "الشغب والتخريب" عبر استخدام "العنف المشروع" المكفول للسلطة وفق المواثيق والأعراف المعمول بها. لكن للأسف، لا يمكن إيجاد جواب مقنع من كون هناك نية مبيتة لدى من يحكمون البلد للحنين والعودة إلى سنوات البطولات والملاحم في مجال القمع والتنكيل وسنوات الاعتقال والاختطافات، وكان يمكن أن نصدق مختلف الروايات والبلاغات الرسمية لو لم تكن هناك بوادر وإجراءات قبلية هدمت كل هذه الروايات والذرائع.

فمنذ أبريل/نيسان الماضي وغداة إعلان شكل حكومة العثماني والكل يعلم أننا عدنا بشكل رسمي إلى الوراء ولمرحلة من مراحل التاريخ الأسود بدل أن نسير للمستقبل كما حتمية التاريخ، حيث برزت السطور الكبرى لذلك من خلال عودة رجال وزارة الداخلية لإدارة البلاد وإعادة بسط أذرعهم داخل المؤسسات الكبرى في البلد والتحكم في صنع الجزء الأهم من قراراتها وسياساتها، بما يشكل إيذاناً بعودة عهد "بصرنة" الدولة من جديد.

هذا الشيء جعلنا وبنسبة مئوية كبيرة نسلم أنه منذ الخامس من أبريل/نيسان 2017 كان الإيذان الرسمي بإغلاق قوس الإصلاح السياسي بالمغرب (على محدوديته)، لتعود معه الأمور مرة أخرى للطريقة "البنعليوية" في إدارة البلد، وتعود الأمور معها من جديد إلى النهج الذي برع فيه النظام ويأمن له في إدارة البلد، وهو المنطق "البوليسي والعقلية الأمنية" للسلطة وحكم الدولة، حيث وزارة الداخلية كذراع طولى للنظام وبكل مؤسساتها وأجهزتها المتفرعة هي اللاعب المركزي والرئيس في إدارة كل أمور البلد الأساسية.

وإذا كان من حسنات لهذا النكوص السياسي، فهو أن هذا الأمر بيّن لنا -بما لا يدع مجالاً للشك- أن بِنْيات وأسس عقلية النظام السياسي في إدارة البلد لم تتزحزح ولم تتغير أبداً رغم كل عمليات التجميل والكرنفالات الإعلامية الساعية لتسويق نموذج قيل إنه "عهد جديد"، عهد بشّر المغاربة بالقطيعة مع سنوات البؤس والظلام، وقيل إنه بدء صفحة جديدة من عصر الديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية وبناء الدولة التي يأمل بها الجميع.

فاليوم وبحكم الأمر الواقع أصبحت الأجهزة الأمنية والمخابراتية في الدولة هي التي تحكم وتتحكم في كل مناحي الحياة، وأصبحت هي الآمر والناهي والصائل والجائل دون حدود ودون رادع في كل ما يخص أمور البلد، أكان ذلك بشكل صريح أم إيحاء، بوجه مكشوف ومن وراء ستار، سراً وعلانية.

وقد كانت هذه العودة للدولة البوليسية مجرد نتيجة حتمية بعد أن أصبح استدعاؤها من جديد ضرورة ملحة لغايات مختلفة، لعل أبرزها حماية مصالح تلك المجموعة الضيقة من زمرة النافذين من الشبكات الأخطبوطية المتغلغلة داخل دواليب الدولة الحساسة من التي يشكل لها التغيير تهديداً لوجودها، ولذلك فهي تسعى للحفاظ على امتيازاتها ومواقعها بشراسة، ومهما كلف ثمن ذلك حتى وإن كان أمن واستقرار البلد هو من سيكون على المحك.

كما أن العودة لإدارة الأمور بالمنطق الأمني يعبر بشكل صريح أن النظام لم يكن يؤمن بشيء اسمه الديمقراطية ولا التغيير السياسي، لذلك فهو يقف اليوم بكل ما أوتي من قوة لمحاربة قوى التغيير المختلفة، سواء كانت حركات قطاعية (كوادر العدل والإحسان المعزولين، الأساتذة المرسبين)، أو قوى تغيير اجتماعي (حراك الحسيمة)، أو قوى المجتمع المدني المطالبة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية (منع الندوة والتضييق على المنظمات)، أو استجابة لقوى ومصالح خارجية (الأجندة الخليجية والفرنسية).

فالدولة اليوم لا تحترم ولا تبالي لا بالدستور ولا القانون ولا أي معايير أخلاقية أخرى. أما الأحزاب والانتخابات -إنْ وجدت- فهي مجرد واجهات شكلية لا تسمن ولا تغني من جوع، ومعظمها تجده تابعاً لوزارة الداخلية نفسها، شأنها شأن العديد من التنظيمات والجمعيات التي تجمِّل وتؤثث المشهد، لتكتمل بذلك فصول السيطرة والإحكام على الدولة والمجتمع بقواه ومؤسساته كافة وبالطرق كافة؛ المباشرة وغير المباشرة، الأخلاقية وغير الأخلاقية.

فالاستقرار (الوهمي) من وجهة النظر النظام يشكل شرطاً حيوياً وأساسياً لتأمين بقاء النظام الملكي وإن كان ذلك على حساب التنمية الاقتصادية وانسجام القوى السياسية. لذلك فهو يفضل دائماً دور الحكم واستخدام سلطة وزارة الداخلية والجيش بدل سلطة التنمية والحرص على إحقاق العدالة الاجتماعية.

الخلاصة أن النظام الذي يحكم بالمنطق الأمني هو نظام بشرعية فاسدة إذا لم يكن فاقداً لها في الأصل، فالنظام الذي يتعامل مع مواطنيه كأعداء افتراضيين حتى يثبت عكس ذلك، ويكون التوجس والحذر هو الأساس والقاعدة بينما الثقة وحسن النية هو الاستثناء هو نظام هش وفاشل لا يمكن أن تنتظر منه لا ديمقراطية ولا إصلاحاً، كما ألا مستقبل ولا آفاق معه، وإذا لم يبادر بشكل مستعجل ومن تلقاء نفسه بالشروع في عملية إصلاح حقيقية فلينتظر زواله ونهايته بشكل أو بآخر.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد