في الخامسة عشرة من عمري قد أكون سمعت لأول مرة في حياتي عن شيء اسمه الحرية، كانت هي اللحظات الأولى التي فتحت أبواب الانطلاق لحياة جديدة لم أكن أعهدها من قبل، كانت البيئة المحيطة بي كلها تلتزم بقوانين الأعراف والدين.
كانت هي لحظة انفتاح الكثير من الأبواب أمامي بخيرها وشرها.. سقوط العراق على أيدي قوات الاحتلال الأميركي الذي قدم إلينا يهتف بالتحرير لا بالعبودية، كان هو مفتاح لعبوديات جديدة متناثرة من كل صوب، عبوديات أتت باسم الحرية الزائفة التي ما زالت آثارها إلى اليوم في بلدي، جراح فُتحت ودماء أُسيلت وحقد دفين بان بعدما كنا لا نراه، وحرية كانت.
بعد سقوط بغداد، انفتحت حدود العراق إلى العالم من جديد ورأينا العالم عن طريق الإعلام ومختلف الوسائل التي دخلت إلينا في حينها، أشياء افتقدنا رؤيتها في الزمان الماضي، كنا جائعين وحينما بدأنا البحث عن الطعام أكلنا بشراهة لننسى، إن أصابتنا السمنة فسيصيبنا الخمول أيضاً، كانت الحرية السمنة التي أصابتنا بشتى الأمراض فأصابنا الوباء مع شح العلاج، انفتحت الأبواب لتكسر جميع القواعد والأسس التي بُنيت لتكون سندنا في تكملة الحياة، فهمنا الحرية بمفهومها الخطأ؛ لنكون نحن في الضياع أو شبه الضياع، هي حرية العبودية من جديد.
اليوم وأنا أنظر إلى ما أنا فيه أو ما أصاب مَن حولي أجد أننا ما زلنا في مستنقع العبودية، هذه العبودية التي يعيش العالم فيها أجمع بالكراهية والحقد وحب الانتقام، الدمار الذي أصاب بلدي وبلداناً كثيرة من حولي ما هو إلا من صنع الإنسان الذي طالب بالحرية ليستعبد الشعوب بمفهوم جديد.
اتبعنا نداءات الحرية لنجد أنفسنا المتعصبين بآرائنا، المتعصبين لانتمائنا، متعصبين لحزبنا، متعصبين في كل شيء، وجدنا أنفسنا نطالب بحق الانتقام، حق إراقة الدماء، حق التعذيب لمن خالفنا الرأي أو الانتماء، فأين الحرية التي بحثنا عنها وأتى بها غيرنا ليرمينا في مستنقع القتل والذبح، مستنقع الانتقام؟!
اليوم نتبع سياسة لا نعرف معانيها ولا قواعدها ولا أخلاقها، لا شيء فيها سوى طغاة يعتلون على رقابنا، شعوب تبحث وتبحث عن اللاشيء أو الوهم الذي يطبل به البعض، ما زلت أعلم أن الحرية لا تأتي إلا بالتضحيات.
اليوم وأنا أخط هذه الكلمات أجد نفسي وكثيرين غيري يعيشون في ذلك الظلام الذي لا نرى شيئاً فيه وهناك من يحركنا بإمساك أيدينا ليدلنا الطريق، أو نحن كلعبة هناك من يمسك السيطرة ويحركنا ويفعل بنا ما يريد؛ انفتاح، رفاهية، حياة جديدة أو هكذا تبدو، هي انفتاح إلى العالم، لنعيش بوهم أننا أحرار، رغم القيود التي وُضعت على عقولنا، رغم الضياع الذي نحن فيه، ما زلنا نعتقد أننا أحرار.
أيقنت اليوم أن الحرية هي أن أكون أنا الحرية نفسها، أنا المتسامح الذي لا يحب الانتقام، وأنا الذي تخلى عن الأحقاد لكي لا تعيش معي مؤرّقة يومي بالأفكار السلبية، الحرية أن أتخلى عن كل الأشياء التي أتبعها ويبقى لي دِين يحكمني هو إيماني.
الحرية أن أعامل الناس كما أحب أن يعاملوني، الحرية أن ننسى الماضي وننير عقولنا بالعلم والمعرفة لنبدع في حياتنا، الحرية ليست أشياء تكسو أجسادنا ولا زينة نضعها ولا أفعالاً نرتكبها شنيعة باسم الحرية، البساطة هي حرية، ما أنجزه في يومي من إبداع هو حرية بحد ذاته، ألا أضع نفسي في دوامة الانتقام والقتل هو حرية لا تنتهي، ألا أتبع من يسرقني ممن اعتلوا المناصب هي حريتي.
أنا وأنت وكل من أتى إلى هذا العالم أتى لهدف أسمى من القتل والضياع، هدف أسمى من إراقة الدماء والتمسك بحقد الماضي، نحن هنا لسنا لنأكل ونلبس ونضحك ونلعب كالأطفال، نحن هنا ليس كي نصرخ وننادي بالأشياء ونحن جالسون.
نحن أتينا إلى هذا العالم لكي نعمل ونتعلم، نعمر الأرض التي خلقنا الله لنرثها، نصنع طريق خلاصنا بأيدينا، لذا احلم فتعلَّم فاعمل لتحقيق حلمك، ولا تنس هناك دوماً من يراقبك لو كنت وحيداً في هذا العالم، كن أنت الحرية نفسها بعملك، بإخلاصك، وإيمانك، كن بسيطاً بتفكيرك بسيطاً، ستجد كل الأشياء بسيطة وستحققها بعملك وإخلاصك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.