هذا السؤال لم يصدر عن جماعة العدل والإحسان المعارضة، ولا عن فيدرالية اليسار التي تطالب جهاراً نهاراً بملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم، إنه سؤال لفريق الحزب الذي يقود الحكومة بالغرفة الثانية بالبرلمان في إطار مناقشة برنامج حكومة الدكتور سعد الدين العثماني قبل أسابيع.
الرد على هذا السؤال، ولو أنه ورد بصيغة الاستنكار، لم يتأخر طويلاً؛ حيث أظهرت الانتخابات الجزئية التي جرت بمدينة الجديدة يوم 4 مايو/أيار أن حزب العدالة والتنمية قد فقد أكثر من 17 ألف صوت انتخابي دفعة واحدة، مقارنة مع ما حصل عليه ذات الحزب في نفس الدائرة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2016.
صحيح أن المنطق الذي يحكم الانتخابات الجزئية ليس هو نفسه الذي يحكم الانتخابات العادية، إلا أن فقدان آلاف الأصوات الانتخابية في ظرف 6 أشهر مؤشر مقلق جداً ينبغي أن يستفز الجميع، وليس حزب العدالة والتنمية وحده.
لقد أدى زلزال إعفاء عبد الإله بنكيران من مشاورات تشكيل الحكومة والتنازلات المؤلمة بعد ذلك إلى زعزعة عقيدة المؤمنين بجدوى التغيير من داخل المؤسسات وبمقاربة "الإصلاح في ظل الاستقرار"، وتسبب في حالة من الإحباط الجماعي، حتى في صفوف المشتغلين بالسياسة.
فالمغاربة الذين تحدوا قانون "جاذبية السلطة" وحجوا يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول بكثافة للإدلاء بأصواتهم كانوا يعلمون بأنهم يصوّتون على ممثليهم في الغرفة الأولى وعلى رئيس الحكومة المغربية في نفس الوقت، على اعتبار أن دستور 2011 (الفصل 47) ينص على تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدّر الانتخابات، وأن المنهجية الديمقراطية (روح الدستور) وأحد ثوابت الأمة المغربية، تقضي بتعيين الأمين العام للحزب في هذا المنصب.
إن ما وقع بين ليلة 8 أكتوبر -ليلة محاولة الانقلاب على صناديق الاقتراع- إلى يوم إعفاء بنكيران في 15 مارس/آذار، بعد 6 أشهر من الـ"بلوكاج" الحكومي المفتعل، يؤشر على أن المحطة الأخيرة في طريق الانتقال إلى الديمقراطية ما زالت بعيدة، بل يمكن أن نقول بدون تردد إن الطريق إلى هذه المحطة غير واضحة، دليلنا على ذلك ما يقع اليوم من تدخل سافر في الشأن الداخلي للأحزاب السياسية والمنظمات النقابية الخارجة من رحم الشعب، والمحاولات الحثيثة لشقها وتفجيرها من الداخل، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عن الجهة المستفيدة من عملية تعرية مؤسسات الوساطة وإضعافها وعن الجدوى من إقحام "وافد جديد" في كل مرة في المشهد الحزبي ببلادنا.
أسئلة يبدو أنها لا تثير انتباه مَن يمتلكون ذاكرة السمكة القاطنين بتجزئة "خدام الدولة" في طريق زعير بالعاصمة الرباط.
ففي سنة 2002 تصدر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نتائج الانتخابات التشريعية، قبل أن يتفاجأ الجميع بتعيين التكنوقراطي إدريس جطو وزيراً أول، بدل عبد الرحمن اليوسفي، الكاتب الأول للاتحاد آنذاك وقائد حكومة التناوب، بعدها بشهور خرج اليوسفي في ندوته الشهيرة ببروكسيل في بلجيكا، واصفاً ما وقع بالانقلاب على المنهجية الديمقراطية، علماً أن دستور 1996 كان يوفر الغطاء لمثل هذه الممارسات.
الجواب على طحن العملية السياسية في 2002 كان هو مشاركة ضعيفة جداً في الانتخابات التشريعية لسنة 2007 (37 في المائة)، وظهور حركات احتجاج جماهيرية في مختلف مناطق ومدن المغرب (احتجاجات سيدي أفنى 2008 وأكديم إيزيك بالعيون 2010 نموذجاً)، اللتين تعتبران من الاحتجاجات الملهمة لثورات الربيع العربي في 2011.
لم يتطلب الأمر أكثر من 9 سنوات على إعفاء اليوسفي، حتى خرج مئات الآلاف من المغاربة في 20 فبراير/شباط للمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وبمحاسبة "خدام الدولة"، ولولا الألطاف الإلهية وسرعة استجابة عاهل البلاد في خطاب 9 مارس/آذار التاريخي ويقظة الأحزاب والنقابات والمواطنين لكانت رياح الربيع هذه قد تحولت إلى ريح عاتية، وأتت على الأخضر واليابس.
هذه الريح التي ما زالت تهب بين الفينة والأخرى هنا أو هناك في شكل مظاهرات عفوية (حراك الريف حالياً) تعيدنا في كل مرة إلى المربع الأول وتضعنا أمام السؤال/الإشكالية: أين يقف المغرب على مستوى ممارسته الديمقراطية؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.