#El_Project والهوية العربية

وهو السؤال الأول الذي يخطر في ذهنك بداءةً إذا ذكر أحدهم لفظ "الهوية الوطنية"، ليس فقط في المناسبات السياسية، والخطب والبيانات الحكومية أو حتى خلال المحاضرات الأكاديمية الكلاسيكية في الجامعات، أو حتى المجمعات الانتخابية. ولكنك حقاً تسأل مثل هذا السؤال باستعجاب في التجمعات العادية، حيث إن تلك التجمعات هي أكثر التجمعات الرافضة لاستضافة مثل هذا المصطلح أو الموضوع للمناقشة؛ بل حتى للتلفظ.

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/03 الساعة 08:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/03 الساعة 08:01 بتوقيت غرينتش

لم "الهوية"؟
وهو السؤال الأول الذي يخطر في ذهنك بداءةً إذا ذكر أحدهم لفظ "الهوية الوطنية"، ليس فقط في المناسبات السياسية، والخطب والبيانات الحكومية أو حتى خلال المحاضرات الأكاديمية الكلاسيكية في الجامعات، أو حتى المجمعات الانتخابية. ولكنك حقاً تسأل مثل هذا السؤال باستعجاب في التجمعات العادية، حيث إن تلك التجمعات هي أكثر التجمعات الرافضة لاستضافة مثل هذا المصطلح أو الموضوع للمناقشة؛ بل حتى للتلفظ.

وبالطبع، لفظ"هوية" -تحديداً في وقتنا الحاضر- يُستعمل بكثرة في المناسبات السياسية والأكاديمية السابق ذكرها؛ بل وأحيانا في برامج مسابقات المواهب كنوع آخر من استراتيجيات التسويق الإعلامي. ولكن الأكيد أن مناقشة موضوع "الهوية" مرفوض على الأصعدة كافة؛ بل يصل إلى حد الاستهزاء بمن استهل الحديث فيه.

وبالرجوع إلى التساؤل: "لم الهوية؟"، ولنكن أكثر صدقاً ووضوحاً؛ بل ودقة، فإن هذا ليس التساؤل المثار من قِبل الغالبية من غير الباحثين المتخصصين عند فتح باب الحديث عن مثل هذا الموضوع في المناسبات؛ بل والمجالات السابق ذكرها، إنهم يتساءلون بـ:

1- ما علاقة "الهوية" بتعليمي، عملي، ما أتلقاه من خدمات صحية، غذاء واحتياجات المعيشة الأساسية؟
نتيجة تجاهل الإجابة عن هذا التساؤل على مدار سنوات عدة، ونتيجة لتدني مستوى إجراءات وعمليات التطوير التعليمي هذا إن توافرت في الأساس- فقد اتخذ هذا التساؤل صيغة أخرى ليصبح:

2- ما علاقة"الهوية" بأي شيء؟!
وهذا التساؤل تجلى وضوحاً واستمراراً بدءاً من الثمانينات، عندما لم يتوافر لدى الجامعة العربية القدرة على إيضاح مهامها ودورها أو حتى أسباب تأسيسها، هذا التخاذل الذي ظهر تحديداً بعد رجوع قيادة الجامعة إلى القاهرة.

إن الدور والتأثير المنخفضين أو غير الواضحين للجامعة، لم يتعلقا بأي دولة تحتضن مقر الجامعة أو حتى أيهما يقود توحيد المساعي العربية، الأزمة تكمن في إعطاء مستوى عالًٍ جدا من الأمل في الفكرة… ومجرد فكرة الوصول إلى ما أطلق عليه "القومية العربية" ثم القيام بتكوين اتصال بينها وبين "الهوية العربية".. الأمر الذي تجلى وضوحاً في فترة حكم الرئيس المصري جمال عبد الناصر.

وبعبارة أخرى، مسألة ربط فكرة تكوين أمة عربية واحدة "قوية" بعدد من الوعود المستقبلية الضخمة والمشاريع المشتركة على الأصعدة الثقافية، العلمية والاقتصادية وتعاونات إقليمية متبنّاة بمستوى عالٍ في مستلزمات المعيشة كافة، ومن ثم فقدان هذا الأمل نتيجة لعدم تنفيذ أي من الخطوات الضرورية والمنطقية للوصول إلى مثل هذا المستوى من المعيشة والتوقعات- جعل العرب يفقدون الأمل؛ بل الثقة بأي وحدة عربية، وبالتبعية أي وجود قوي كدول مستقلة.

اعتقدت الشعوب أن مثل هذا الاتحاد كان سيؤثر في احتياجاتهم المعيشية وصولاً لمستقبل أفضل، ولكن تجاهل وجود أجندة واضحة حقيقية تبين وتفسر كيف لمجموعة دول ذات نظم سياسية وقانونية مختلفة يمكن أن تتحد كدولة واحدة أو -كما يطلق عليها- أمة واحدة بدول متعددة- أدى إلى فقدان الشعوب العربية الثقة باحتمالية وجود أمة واحدة قوية وداعمة لذاتها في المجالات كافة كما وُعدوا.

المزيد من إهمال تنفيذ أو السعي نحو إيجاد طرق لتنفيذ هذه الفكرة وهذه الوعود، أفقد الشعوب الثقة بقائديها؛ نظراً لأن الهدف غير واضح على الجانب العملي ولا توجد أية نوايا حتى لتوضيح هذا الهدف، إذاً فالهدف غير حقيقي بداءة.

ولكن الشعوب لم تكن واعية للعلاقة ما بين القومية العربية والهوية الوطنية، وهو الأمر الذي حاول الحكام العرب إيصاله بأن الهوية الوطنية ناشئة من التعاون العربي! لذا اعتقد العرب أن هويتهم تعني القوة، أن يكونوا أمة قوية في المجالات كافة (العسكرية، والتعليمية، والثقافية، والسياسية، والسوق العربية المشتركة).

ونظراً لكون كل هذه المجالات لم تشهد تطوراً كالمتوقع أو الموعود به، توقفت الشعوب العربية عن التساؤل حول مفهوم الهوية.. فتكونت لهم إجابة وافية (في اعتقادهم)، وهي أن:

"الهوية كذبة ونحن أمة بلا هوية"! الأمر المخالف تماماُ للحقيقة؛ إذ إن مهمتنا طي هذا البحث هي:
1- إيجاد تعريف حقيقي وواضح عن الهوية.
2- تحديد ملامح هويتنا العربية بما تشمله من عوامل تؤثر فيها وفي تغييرها.
3- هل تغيرت هويتنا أم لا (تطورت أم لا)؟

إن كنت باحثاً متخصصاً أو حتى طالباً بالمرحلة الثانوية وقررت عمل بحث عن الهوية، فإن أول ما سيوجَّه إليك هو:
1- ما الذي يدفعك للاهتمام بمثل هذا الموضوع؟
أو وفقاً لسؤال أحد المخرجين الدوليين لي:
2- "لا أحد يهتم بهذا الموضوع، ولن يهتم أحد، ولا أعتقد أن هذا الموضوع يثير اهتمامك أنت شخصياً؛ لأنه موضوع غير ملموس".

ومن هنا، تبدأ أولى خطوات بحثنا، وهي الأسباب والعوامل المختلفة لضرورة الاهتمام بمعرفة المفهوم الحقيقي للهوية… تلك الأسباب التي يمكن استنباطها من خلال ما نتوصل له من تعريف للهوية.

1- ما المقصود بالهوية الوطنية؟
وفقاً لرأي صموئيل هنتنغتون حول تحديد "الهوية" في كتابه "من نحن؟ التحديات التي تواجه هوية أميركا الوطنية"، قال إن "مفهوم الهوية في الاستغناء عنها مثل عدم وضوحها" و"إنه مفهوم مجمع، من الصعب تحديده ومع عدم القدرة على تجنب العديد من الأساليب العادية في القياس (لتعريفه). إن الباحث الرائد في القرن العشرينات إريك إريكسون يطلق على الهوية مفهوم "الانتشار"، ولكن أيضاً يطلق عليه مصطلح "غامض" و"مبهم".

ولكن،، يتبع الباحثون طرقاً مختلفة لتعريف الهوية الوطنية:
"الهوية هي التي تتلاقى معاً على موضوع مركزي واحد. الهوية هي شعور الفرد أو مجموعة بالذات؛ بل هو نتاج الوعي الذاتي، فأنا أو نحن لنا صفات متميزة تلك التي تميزني عنهما وتميزنا (كمجموعة) عنهم". وبعبارة أخرى، هي مجموعة من الخصائص والصفات (الإيجابية)، التي تميز أحدهم عن الآخر.

"فعلى سبيل المثال، الطفل الوليد تتوافر له عناصر الهوية عند ولادته تتمثل في الاسم، الجنس، الأبوة، والجنسية…"، أو بما أن الأخير هو بمثابة مسؤولية على عاتق هذا الطفل أو المواطن لذا يمكن تسميته أو استبداله بالجنسية، كلها كعناصر أولية تجعل من المواطن عضواً في الأمة.

لذلك، تتكون الهوية من عدد من العوامل التي تؤسس وجود كل "المواطن" في أي دولة من الناحية القانونية، وتلك العوامل كالآتي: الاسم، النوع (المساواة)، تاريخه، الجنسية (الوطنية)، "ولكن تلك العوامل لا تعد جزءاً من هوية هذا الطفل حتى يصبح واعياً بها ويعرف نفسه استناداً إلى هذه العوامل".
(يتبع)

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد