حكومة المغرب.. من الانفصال إلى الانفصام

والتبرير الأخلاقي لذلك أن هذه الشعوب تعبت من الصراع والصدام، وأنهم باقون في أماكنهم وباقون على مواقفهم، ومن ثم باقون في مأساتهم، ولا مخرج لتلك المآسي إلا بالاستقلال التام لكل من يرغب في الاستقلال وإنهاء الدولة في الشرق الأوسط.

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/03 الساعة 03:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/03 الساعة 03:37 بتوقيت غرينتش

سكان الأرياف لا يُريدون الانفصال، ولا مطلب من مطالبهم تحدث عن "الاستقلال" أو ما شابه ذلك. فالانفصال الذي تتحدث عنه حكومة سعد الدين العثماني تحوّل إلى "انفصام" في تركيبة الدولة، ولعل الطبيب النفسي رئيس الحكومة أدرى منا بهذا المصطلح العلمي – الطبي.

الحكومة بقيادة حزب "العدالة والتنمية" عمرت بياناتها وبلاغتها بكلمات "الانفصال والاستقلال" واتهمت المتظاهرين بـ"الانفصالية"، وبيانات جماعة "العدل والإحسان" تتحدث عن "العسكر" في الريف وتطالب بسحبه، قارئ بلاغ الحزب الأول سيظن أن في بلاد المغرب "حرباً وصلت مداها إلى حدّ توغل الخصم" والقارئ لبيان التنظيم الثاني، سيعتقد أن "رابعة العدوية" سقطت فجأة في المغرب.

المعادلة في مدينة الحسيمة شمال البلاد جد بسيطة لا تحتاج إلى جمع أو تحويل أو حسابات، لقد طالب المحتجون بالعدالة الاجتماعية والتطبيب والتعليم وحقوق العيش الأساسية، وإذا كانت تعني هذه المطالب لدى الحكومة "الانفصال" فلا بأس إذن من الانفصال، فكلنا "منفصلون".

رئيس الحكومة المعارض سابقاً، الذي طالب سلفاً بحكم ذاتي لـ"أهل الريف"، هو ذاته الذي اتهم مواطنين مغاربة بـ"النزعة الانفصالية".

تقول مجلة "التايم" الأميركية: إن حجم انتقال البشر في العالم المعاصر، ورغم كل مظاهر العولمة، لا يتعدى نسبة العشرة بالمائة، وإن أكثر من تسعين في المائة من سكان العالم يبقون حتى نهاية حياتهم في بلدانهم التي وُلدوا فيها، وعلى ذلك ترى "التايم" أن الصراعات المزمنة في منطقة كالشرق الأوسط لن تجد لها حلاً إلا على الأرض.

وتذهب مجلة "التايم" فيما وصفته بأنه أفكار جديدة لتغيير العالم.. فتقول: إنه يجب أن تستقل دارفور، ويستقل جنوب السودان.. ويصبح كل جزء في السودان يرغب في الاستقلال وطناً ودولة مستقلة، وهذا أفضل من استمرار الصراع وفقدان البشر والمال والأمن. وبالمنطق ذاته ترى "التايم" استقلال الأكراد في العراق شمالاً واستقلال الشيعة جنوباً..
إنه منطق واضح تماماً.. تغيير الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، ورسم خرائط جديدة على أساس الهوية، فكل دين على حدة، وكل مذهب بذاته، وكل قومية دولة.

والتبرير الأخلاقي لذلك أن هذه الشعوب تعبت من الصراع والصدام، وأنهم باقون في أماكنهم وباقون على مواقفهم، ومن ثم باقون في مأساتهم، ولا مخرج لتلك المآسي إلا بالاستقلال التام لكل من يرغب في الاستقلال وإنهاء الدولة في الشرق الأوسط.

وقد رأى محللون وسياسيون أميركيون وأجانب أن عناوين مجلة "التايم" هي خط عريض للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط.

مَن الذي يؤيد فكرة الانفصال؟ العثماني رئيس الحكومة حالياً أم أولئك السكان في ريف البلاد المضطهدون عنوة؟ ومَن يسعى إلى تفكيك الأوطان وجعلها دويلات صغيرة تأتمر بأمر المرشد، وتسعى إلى خلافة واسعة.. تؤمن بالجماعة لا بالوطن؟ الحركات الاحتجاجية في الريف أم أبجديات فكر ومرجعية حزب العدالة والتنمية المستمدة من "التنظيم الدولي للإخوان المسلمين؟" بحسب ما جاء عن لسان الأمين العام للحزب عبد الإله بنكيران وما نظر له مرشدهم الروحي أحمد الريسوني.

إذا كان محمد السادس ومعاونوه في القصر ظنوا سلفاً أن بالإسلاميين سيمتصون غضب الشارع وبعملية دمجهم في مؤسسات الدولة قد يمتص غضبهم واستفزازاتهم أيضاً، فهم مخطئون جداً؛ لأن في نهاية المطاف ليس لدى الإخوان أيّ وجه من الوجوه، فيلتوي تنظيمهم كما تلتوي الأفعى الأسطورية حينما تستعد للانقضاض على فريستها، ويتحولون ويتناقضون كما تتناقض بيانات جماعة العدل والإحسان مع بيانات حزب العدالة والتنمية وبيانات حركة التوحيد والإصلاح مع بيانات شبيبة حزب العدالة والتنمية وبيانات شبيبة حزب العدالة والتنمية مع نقابات حزب العدالة والتنمية، فيبقى صراع العالم الإسلامي الشهير على نحو "الشريعة ضد الشريعة" و"الإخوان ضد الإخوان" ثم "النظام ضد النظام".

ويبدو أن زمننا وصراعه السياسي الخاسر الوحيد منه هم الشعوب المضطهدة التي تتزاحم في طوابير طويلة للحصول على التطبيب، ويتكدس أبناؤهم من الأطفال والطلبة والتلاميذ في طاولات خشبية مهترئة تتساقط من فوق رؤوسهم قطرات الندى، ويكتوي الناس بنار الأسعار والضرائب، بينما يلهو رجالات الدولة بالأموال عبر شركات "الأوفشور" في الجنات الضريبية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد