جرِّب مرةً أن ترمي بيضةً على الأرض، ثم جرِّب كذلك أن ترمي كرةَ التنس، قد يبدو هذا سخيفاً للوهلة الأولى، لكنك ستتعلم الكثير من هذه التجربة.
لا يكمن الأمر في الجاذبية الأرضية ولا في قوة الرمي، بل في قوة جسم كرة التنس، فلو كانت هشة لانكسرت وفقدت أهمية وجودها.
ترمي كرة التنس بقوة فترتد بقوة مماثلة وفقاً لقوانين الفيزياء، في حين أنَّ البيضة لا ترتد على الإطلاق، وإنما تعبر عن غضبها بتحطُّمِها، لقد استسلمت البيضة وقاومت كرة التنس، هذا هو السر في ارتداد الكرة وتحطُّم البيضة؛ لذا إن كانت ظروفك الشخصية أو الأسرية أو الاجتماعية غير متوافقة مع ما تطمح إليه، فعليك أن تشق طريقك بنفسك دون يأس، وكن أنت الحل.
جرِّب مرةً أن تعقِد مقارنةً سريعة بين العظماء والنابهين وغيرهم، سيتجلى لك الفاصل الرئيس بين الفيلقين في أن الناجحين لم يعقدوا هدنةً ولو يسيرة مع الاستسلام.
يسقط الناجحون ويفشلون مرة تلو الأخرى، لكنهم لا يعرفون الاستسلام مهما تكبدوا من إخفاقات ومتاعب، يرى الناجحون أن الفشل جولة في مباراة الحياة مثله كالنجاح تماماً، وليسوا في حصانةٍ من الفشل على الإطلاق، ومع هذه الحقيقة الصادقة والصادمة للبعض، إلا أن الناجحين لا يتذرعون بالمصاعب والمتاعب، ولا يزج أحدهم باستسلامه على الظروف والضغوط الخارجية ومؤامرات الغير.
الداء الذي لا علاج له هو يأس المريض من أن يُشفى، فكثير من المرضى الذين نجحوا في تخطي عقبة المرض حين سئلوا عن السر، قالوا: لقد تمسكنا بالأمل ولم نستسلم لليأس.
أراد هتلر التلاعب بأعصاب بعض من اعتقلهم النازيون، فأوهمهم أن الغرفة التي حُبِسوا فيها بها غاز قاتل، لم يكن ذلك صحيحاً، ولكنه من قبيل الإرهاب النفسي، وكانت المفاجأة حين عُثِرَ عليهم وقد ماتوا جميعهم من الخوف ونتيجة لاستسلامهم لظروف غير حقيقية.
ونستون تشرشل حين لخّص تجربة الناجحين في الحياة، لم يذكر النفوذ ولا المال ولا الظروف والحظ، بل ذكر أن الناجحين يقعون في الفشل تلو الفشل دون أن يتسرب اليأس والاستسلام إلى نفوسهم.
الناجحون قد عقدوا النية على صرامة الاستفادة من الفشل وتحويله من عقبة كؤود في طريقهم إلى درجة من درجات سلم نجاحهم وتفوقهم.
كان عنترة بن شداد على هذه الشاكلة، فلم ينل من تجني الحاقدين، وسخرية السذج البطالين، فقال رداً على سفهاء بني عبس:
ينادونني في السلم يا ابن زبيبةٍ ** وعند صِدَامِ الخيلِ يا ابن الأطايب
وهو وإن شعر بمرارةٍ من هذا الانفصام النكد والتباين الفج في المواقف والرؤى، إلا أنه يثقُ بنفسه ويعتد بها ولا يدندن على وتر الاستسلام لأقوالهم الرخيصة، فتراه يؤكد ذلك بقوله:
سيذكرني قومي إذا الخيلُ أصبحت ** تجول بها الفرسان بين المضارب
هذا هو درب الناجحين، لا يعرفون الاستسلام، ولا ينكصون على أعقابهم مهما كانت قوة المِحَن التي تجتاح سفينتهم، يعتمدون على قوة جسم السفينة وعدم إنفاذها لليأس، فالناجح يعي تماماً أن اليأس ما لم يتسرب لداخله فهو قادر على اكتساح جميع العوائق حتى يبلغ هدفه الذي ينشده، ولذلك يتسلح الناجح بمضادات اليأس والفشل حتى يظل يقظاً ومثابراً؛ ليحظى بنشوة الظفر ولذة النجاح.
كلمة النجاح لها وقعٌ تطرب له الأفئدة، طرب الإبلِ على لحن الحداة، والجميع يتمنى أن ينجح في كل أمرٍ يعِنّ له في حياتِه، ولكن اقتضت حكمة الله تعالى أن من أراد شيئاً فعليه أن يسعى له، مِصداقاً لقوله تعالى: "وأن ليس للإنسانِ إلا ما سعى وأنَّ سعيَه سوف يُرى"، وبينما الأماني بضاعة الأفَّاقين والكسالى والعاجزين، فإن الحزم والعزم والاجتهاد والإصرار أسلحة الناجحين التي لا تخذلهم مطلقاً بعد توفيق الله، فإن لم يكن عونٌ من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده.
ولا يظن البعض أن النجاح وليد الصدفة، يحدث ذلك إلا أنه أندر من جوهرةٍ في مزبلة، فإن أردت تحصيل علمٍ ما، فعليك بالسهر والدراسة والمطالعة والمراجعة والجلوس بين أيدي أهل هذا العلم؛ لتنهل من معينهم وتحصل على توجيهاتهم التي لن تحصل عليها من بطون الكتب وحدها، ولا تتمسك كثيراً بالأماني في سبيل تحصيل فن من الفنون أو فرعٍ من فروع العلم والحكمة، فلو كان هذا العلم يحصُلُ بالمنى ما كان يبقى في البرية جاهل؛ شَمِّرْ وَائْتَزِرْ، وَالْبَسْ جِلْدَ نَمِر، ودع التكاسل في الخيرات تطلبها فليس يسعد بالخيرات كسلان، وانفض عنك أوهام اليأس والإحباط فهي تُثقِلُ الظهر، ولا تساعد على الظفر.
وأنت تمضي في طريقك للنجاح يمكنك أن تساعد غيرك ممن يريد لنفسه ما تريده لنفسك من الخير والصلاح.
النجاح ليس حكراً على أحد، ولن يستأثر به مخلوقٌ على وجه الأرض، حقيقةٌ لو وعاها الناس ما احتربوا في سبيل صناعة مجدهم الشخصي، وكلما كان المرء حريصاً على إنجاح من هم في محيطه، كانت فرص نجاحه أقوى وأرسخ مما لو تفانى في سبيل حفر قبورٍ يدفن فيها كلَّ من سولت له نفسه بالتفكير في النجاح، أو من يجرؤ على الحلم بذلك.
لا تندهش من هذه المسألة، فنحن لا نعيش في مدينة أفلاطون وطباع الناس على هذه الأرض متفاوتة، ولا يعني ذلك مطلقاً أنني أناقِضُ نفسي في أطروحتي لك بعدم الاستسلام، كلا يا صديقي وإلا فإنكَ قد أبعدت النجعة، فأنا أريدك أن تقف على حقيقة الأمر وواقعه وألا تتوهم أموراً لا وجود لها كما أريدك ألا تبقى في الحلم الوردي بأنَّ من حولك ملائكة، حتى لا تُفزِعْكَ الحقيقة.
أريدك أن تطرد الاستسلام من عقلك وقلبك، وأن تتسلح بالإصرار على مطاردة حلمك بالوسائل التي تمكِّنُك من نقلِه من الخيال للواقع.
صدقاً أقول لك: أنت فقط من يصنع نجاحك، فضع خلف ظهرك كل كلماتِ الاستهجان التي سمعتها أو ستسمعها، ولا تسمح لها بتكبيل عزيمتك الفولاذية، لا تسمح لمن فقد فرصته في التفرُّد والتميُّز أن يضمَك لكتيبة الناقمين على الحياة والمثبطين لعزائم الطامحين، كن أنت!
لا تستسلم، ولا تكن عقبة في طريق غيرك، كن محفزاً لنجاح من حولك، القادة الحقيقيون يصنعون قادةً من حولهم، بينما يسعى من لا يثق بقدراته على محاولة قتل الطموح في كل من حوله، هو يتحاشى أن يمتدح نجاح الآخرين أو جهودهم في التطور والارتقاء بمهاراتهم وإمكانياتهم؛ لأنه يرى أن ذلك فيه تقليصاً لهالة الضوء من حوله، ويظن ظن الجاهلية أن ذلك يسحب بساط الوجاهة والسيادة من تحت قدميه، وقد يتحول إلى عدوٍ مُشاحن لكل من يجنح به طموحه للرقي والظهور على الساحة.
يحرص ذوو النفوس الضعيفة على وجود حاشيةٍ حولهم من ذوي مهارات الخنوع والاستسلام؛ مما يعمل على إبراز شخصية القائد المخدوع بنفسه والذي لم يختبر قوته الحقيقية في ميدان قوي.
ربما كان الرجل كبيراً لأن من حوله أقزام؛ لهذا عليك السعي قدر المستطاع في إنجاح من حولك، ومدِّ يد العون لهم لإثبات قدراتهم وتفعيل مهاراتهم، افعل ذلك وأنت على ثقة بأنَّ ما تفعله لن يقلل من نجاحك؛ بل سيعزز نجاحك ويضيف إليه الكثير.
إنَّ كلَّ من سَطَعَ نجمهم وعلا كعبهم قد ذاقوا الوقوع غير مرة، وكان وقوعهم دافعاً للنهوض مرة بعد مرة بإصرارٍ أقوى وعزم أشد على النجاح؛ مما جعل لكل هؤلاءِ بصمةً في دنيا النجاح، ومثالاً يحتذى به في مواصلة الكفاح، ولسانُ حالهم: السطوع بقوة الوقوع، فكلما كان الوقوع قوياً ومؤلماً كان النجاح مؤثراً، ومن كانت بدايته محرِقة كانت نهايته مشرقة.
يقول نابليون هيل: الجهد يُطلِق جوائزه فقط عندما يرفض المرء الاستسلام.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.