العاصمة العراقية بغداد، ثاني أكبر المدن العربية من حيث الكثافة السكانية بعد القاهرة المصرية، بغداد عاصمة العباسيين، والخلفاء كأبي جعفر المنصور، وهارون الرشيد، كانت تسمى المدينة المدورة، ودار السلام والزوراء، بغداد الثقافة والعلم، فيها المدرسة المستنصرية من أوائل الجامعات في العالم.
بغداد فيها أضرحة أبي حنيفة النعمان، وموسى الكاظم، وعبد القادر الكيلاني، نهر دجلة الذي يشقها، كورنيش أبو نواس، وجانبا الكرخ والرصافة، المتنبي والرصافي، أنشئت رسمياً في عام 145 هـ و762 م في عهد أبي جعفر المنصور الخليفة الثاني في العهد العباسي.
تضم بغداد العديد من الأسواق العريقة القديمة وأشهرها سوق النهر وسوقا العربي والشورجة اللتين تقعان في شارعي خلفاء الراشدين، وسوق الصفافير التي تمتاز بالأعمال اليدوية، والسراي وشارع المتنبي التي ما زالت إلى يومنا هذا ملتقى للأدباء والمثقفين ومكاناً زاخراً ببيع الكتب.
بلا شك فإن الكتابة عن بغداد وعن تاريخها العريق لا يمكن أن توجز بمقال؛ لأن بغداد مر عليها الكثير من الأحداث المختلفة منها المفرح والمحزن، حتى عندما نذكر تاريخها ومجدها الكثير يتغنون به ويفخرون بذلك
كانت في بغداد مكتبة دار الحكمة، وهي أعظم مكتبات العالم القديم آنذاك، تحتوي على كافة العلوم وملايين المجلدات، أيضاً كانت تحتوي على عدد هائل من القاعات مخصصة لكل مادة من مواد العلوم، مثل: كتب الفقه والطب والكيمياء والسياسة والبحوث الأخرى، التي تتوزع على القاعات في داخل المكتبة، وكانت هناك غرف للملتقيات العلمية، وغرف للقراءة والحوارات التي كانت تجمع كثيراً من طلاب العلم الذين جاءوا من مختلف الأماكن في العالم.
المكتبة التي حوت كل علوم الأرض فيها، أراد المغول ألا تبقى لكي يعمَّ الجهل، وألا تبقى المكانة التاريخية لبغداد وأمتها؛ حيث نقلوا كل كتب مكتبة بغداد وألقوها في نهر دجلة حتى تحول لون مياه النهر إلى أسود، بسبب حبر الكتب الضخمة.
تعرضت بغداد لعدد من الاحتلالات، وتهدمت لعدة مرات، لكنها عادت شامخة فيها تاريخ المسلمين والعرب والأديان والقوميات الأخرى، كانت مركزاً استراتيجياً للعلم، وملتقى العلماء والمثقفين والقراء والكتب وطلاب العلم، ومن أهم صروحها العلمية الجامعة المستنصرية، حتى إن ذكر اسم بغـداد وشقيقتها القاهرة، قالوا المثل الشهير: "القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ"، نعم بغداد تقرأ كتبَ وإبداعات إنتاج القاهرة.
بلا شك فإن الكتابة عن بغداد وعن تاريخها العريق لا يمكن أن توجز بمقال؛ لأن بغداد مر عليها الكثير من الأحداث المختلفة، منها المفرح والمحزن، حتى عندما نذكر تاريخها ومجدها الكثير يتغنون به ويفخرون بذلك.
لكن في هذا الزمان عندما يذكر اسمها ينتاب الكثير الحسرة والألم لما حدث لها، وما تمر به بغداد اليوم ليس كما نعرفها؛ حيث شوارعها مقطعة الأوصال بين مناطقها المنهكة، ومدارسها بلا علم رصين كما كانت، والكثير من علمائها هاجروا إلى بلاد الاغتراب، تغيرت بغداد تلك العاصمة التي كانت تزخر بالعلم، لا يوجد بها سائحون ولا سياحة، ولم تعد مكاناً يأتي إليه العلماء والمفكرون العرب والأجانب، لوضعها غير الطبيعي، التي كانت لهم منارة للعلم مع شقيقاتها من المدن العربية الأخرى.
وحسب التقارير الدولية التي تقيّم سلامة العيش وحقوق الإنسان، والبيئة العامة والوظائف واحتياجات البشر، والنظافة والعمران والبنية التحتية والتعليم والصحة والطب والثقافة والعلم والأمان والاقتصاد وخط الفقر، تبوّأت بغداد المركز الأول لأسوأ مدينة للعيش في العالم وللمرة الثامنة على التوالي آخرها عام 2016.
وجاء ذلك بتقرير ضمن شركة "ميرسي" التي تتخذ من لندن مقراً لها، وتعنى بتقييم جودة العيش للمدن في العالم، والتي تعتمد في مسحها على مثل الاستقرار السياسي، وحرية الإعلام، والبيئة الاقتصادية والترفيهية والتعليم والصحة، وعدد من المعايير الأخرى.
هذا الذي يجري لبغداد في عصرها الجديد، نتمنى أن تعود بغداد منارة للعلم وملتقى للعلماء والمثقفين، وتعود لحاضنتها في الأمة العربية والإسلامية ولمكانتها بين الأمم في العالم.
وفي النهاية هي دعوة للعرب والعالم بأن يهتموا ببغداد وينتشلوها وينقذوها مما هي فيه؛ لأنها تاريخ ليس لأهل العراق فقط، بل لكل العرب والمسلمين والإنسانية جمعاء، وليشطب اسمها من كل قوائم أسوأ مدن للعيش، وتعود كما عهدناها وقرأنا عنها، وتعود البسمة على وجوه أهلها، ويعم الاستقرار والأمان فيها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.