بدقات متسارعة خفق قلبه، قطرات العرق بدت على جبينه كالمبلل بحبات المطر، يتأتئ، ويتمتم والكلمات تلوك في فمه، هل يصارحها بحبه؟ هل يفصح عن مكنون القلب، عن عشق الروح، فتمر دونه مرّ الكرام، وهي تترنح في مشية تفيض أنوثة وخصلات شعرها تتطاير مع ريح الخريف، يحذو حذوها من شارع إلى شارع، ومن زقاق إلى زقاق كالمسحور، وهي هائمة التفكير في ابن الجيران الذي سافر إلى كندا لإكمال الدراسة، وبدوره هائم في عشق كريستين "الكيبكواز" ذات الثمانية عشر ربيعاً، والمنحدرة من أصول لبنانية بتنورتها القصيرة وضفائرها البنية، لم يخطر بباله أن كريستين تعيش بعقدة عرقها العربي، ولا تفكر البتة في الارتباط بشخص من طينة أبيها، وعيناها واقعتان على "جانكي" الشاب الكوري الوسيم الذي شغفها حباً، وإن كان له منها حاجة في نفسه، وفي قلبها أضعاف ما في قلبه من الحب.. أغلق القوس هنا فقصص الحب منذ بدء الوصال بين آدم وحواء إلى اليوم لم تنتهِ بألوانها وأشكالها.
نعم إنه الاضطرام والاهتياج، ثورة القلب على المألوف، على العادة والتقليد، على العرف والدين، إنها متلازمة الحب مع قليل من حفظ المقامات للنفسانيين وأهل الاختصاص على هذه التسمية، يدندن بها الشعراء، يخيط الكتاب بها رواياتهم، ويطرب لسماع أغانيها اللهفان، بها عشق المجنون جدران ديار ليلى، إنها الداء الذي أنزلنا من الجنة إلى مصر الشقاء، بالحب يقصر حبل الزمن فترى الصبيّة تولع بالشيخ، والعذراء كاملة الحسن بالمنقوص من فتية القوم، فيقوى حبل الوصال وينعدم السلوان ويستبدل النقص بالكمال، كل هذه الأحاسيس الدافئة الباردة، مكانها مستودع الحب، إنه المضغة التي عجز عن فكّ تلابيبها أهل العلم.
بينما هو جالس على الهضبة، قطف زهرة البابونج وبدأ يستلها ورقة تلو الأخرى، ويردد بلسان لاهث: تحبني لا تحبني، وكأن الزهرة مطلعة على مكنون قلب حبيبته، يمنّي النفس عسى أن يكون الجواب في آخر ورقة.. لم يجد سعيد وهو في عقده الثاني بُداً من الحديث عن محبوبته حتى لأقرب أصدقائه، بل كان يختار خلوة الدراويش، يفترش أرض الهضبة المزهرة، ويلتحف السماء ويهيم بعقله وجوارحه بالتفكير في معشوقته التي قطع الوصال معها منذ زواجها بابن عمها، فاكتفى المكلوم بجلوسه المعهود عند الهضبة ينظر إلى القمر في عتاب.
لماذا لا تكتمل قصص الحب؟ لماذا يعتريها النقصان كلما ظننا أنها توّجت بقفص الزواج الذهبي؟ هل من الضروري أن يقسّم هذا الإحساس المفعم بالحياة بين الحرمان والأنين، بين الصبابة والوله؟.. هذه الأسئلة تحمل في طياتها جواباً ضمنياً، فالحب مر المذاق كقهوة الصباح بلا سكر، لكنها تشعرك بالرغبة في إتمام يومك بكل نشاط وحيوية، حورس، فينوس، كيوبد وغيرهم من آلهة الحب التي درسناها في الميثولوجيا، كلها قصص لأشخاص تحدّوا الطبيعة والعادة والعرف، من أجل أن يحيا الغرام في قلوبهم، حتى أيقونة الحب وكما ألفها الجميع رسم لقلب مشروخ يخترقه سهم يدمي شريانه، صورة تخفي وراءها مرارة وعذاباً يجعلك تفكر ألف ألف مرة قبل خوض غمار التجربة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.