إن وجود قوّات أميركية في المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا، والغربية من العراق في السنوات الثلاث الماضية لم يكن يهدف فقط للقضاء على داعش وأنصارها أو النصرة وحلفائها.
بل إن هذا الوجود العسكري الكثيف ليس دعماً تكتيكياً مؤقتاً، وقد يتوسع ليقطع الطريق البري أمام الفصائل المسلحة الشيعية أن تتنقل عبر العراق إلى سوريا، من خلال اعتبار المنطقة الحدودية الغربية للعراق جزءاً أساسياً لقواعد الحلف الدولي ضد داعش والنصرة.
في الواقع يحاول رئيس الوزراء العبادي تبنّي خطة بمساعدة التحالف الدولي يستطيع بها طرد وملاحقة فلول داعش في معركة الحدود، ويمنع أن يكون العراق جزءاً من صراع المحاور أو وكيلاً لإيران في حربها المقدسة على الأراضي السورية التي انغمست بها طهران منذ 6 أعوام لقتال الفصائل السورية المعارضة للنظام السوري!
هذا التحدي والرفض الصريح أطلقتهما الحكومة العراقية تحت عنوان فتح الاستثمار للشركات الأميركية الأمنية لحماية الطريق الدولي الذي يربط العراق بحدوده الغربية مع السعودية والأردن وسوريا، وفيه أيضاً حماية المدن والقرى قرب الحدود الغربية.
أما هدف الحكومة في بغداد فيتلخص في تدارك أن يكون للعراق في مرحلة ما بعد داعش فصائل عابرة للحدود تقاتل داخل العمق السوري لأسباب مذهبية وإقليمية، بعد تحرير تلعفر والقيروان والبعاج والقائم.
فمع هزيمة وحدات داعش في الحدود الغربية للعراق سوف تصبح الفصائل الشيعية المسلحة الموالية لإيران جاهزة لشنّ هجمات على الجغرافية التي تسيطر عليها الفصائل السورية التي تصنفها دول التحالف الدولي على أنها معتدلة في سوريا، وهذا بحد ذاته يعقد الخطط والاتفاقيات التي تعمل عليها تلك الدول، وأيضاً يُرجع لإيران اليد العليا من جديد في الملف السوري بعد أن قطعتها روسيا وتركيا عام 2016.
زيارة ترامب للرياض لها مضمون سياسي وأمني واقتصادي، ولتأكيد صورة الرياض عند الإدارة الأميركية الجديدة التي تعتبرها الممثل الأول للإسلام والعرب.
وفي الشكل، هناك تجاوز للصورة القديمة التي تصور مصر هي الممثل للعرب والمسلمين، وأيضاً فيها ترجيح للإسلام السني على الإسلام الشيعي؛ حيث لم تتم دعوة إيران، ودعوة العراق بوصفه العروبي وليس المذهبي.
وتعد زيارة ترامب هي خطوة لترتيب الأوراق بين أيدي العرب المتحالفين مع أميركا في الحرب الدائرة عراقياً وسورياً، وتنشيطها وتنسيقها لعرقلة رجحان كفة إيران وحلفائها في المنطقة، وأن أي تأخر قد يؤدي إلى مضاعفة آثارهم.
وترتيب الأوراق العربية لا يعني نهاية الحرب الباردة بين إيران والعرب، لكنه يفتح ثغرة في جدار سميك، ويقطع أذرع الهلال الشيعي بعد إنهاك وتدمير البنى التحتية لها، أما الصدام المباشر بينهما فمجرّد احتمالات وتوقعات، في الغالب فإن إيران سوف تتقهر تدريجياً وتتحين الفرصة الدبلوماسية المناسبة للعودة مرة أخرى كتحدٍّ قومي قوي ومذهبي كبير في الشرق الأوسط.
وما بعد زيارة ترامب ليس هناك حلول سحرية سريعة لخلق منطقة مستقرة بلا حروب، فآثار الحروب الضارية بلغت جذر قلب الإنسان، ولن تلبث المنطقة حتى تحتضن حرباً أخرى بين المنتصرين من أجل تعزيز السلطات وتقاسُم الثروات، فتختلط الأوراق من جديد.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.