كنت دائماً بارزة بين أقراني حينما كنت طفلة، فقد كنت فتاة طويلة. كنت أطول من أقراني في جميع مراحل المدرسة الابتدائية وحتى في المدرسة المتوسطة. اختاروني للَّعب في فريق كرة السلة بالمدرسة الابتدائية قبل أن أبلغ الحد الأدنى للسن بعام كامل. كانت علامات البلوغ الظاهرة عليّ تُخيف عضوات الفريق المنافس قبل أن تبلغ أي منهن سنوات.
كان لي حضور قوي، وكان لساني يضعني في مواقف محرجة عندما أعبر عن آرائي في أكثر أوقات أو أماكن غير مناسبة. وصْف شيريل ساندبرج للفتيات القياديات في كتابها Lean In كان ينطبق عليّ تماماً.
كنت فتاة طويلة القامة ومُمتلئة القوام، من اللاتي وصلن لمرحلة النضج البدني والعاطفي قبل معظم أقرانهن بكثير. لذلك لم أكن أبداً غير مرئية عندما كنت صغيرة، ولا كنت أريد ذلك.
عندما قرر والدي الانتقال من مسقط رأسي، ميلبراي بكاليفورنيا، إلى بلدة غنية ذات غالبية بيضاء في سكوتسديل بأريزونا، تغيرت أحوالي. كنت في مدرسة متوسطة متنوعة الأعراق، بها طالبات من الساموا والصينيين والمكسيكيين وغيرهم من السكان المهاجرين في ولاية كاليفورنيا، وكان الانتقال إلى سكوتسديل يعتبر صدمة لي.
لم أكن أعتقد حقاً أنني مختلفة في كاليفورنيا (على الرغم من طول قامتي). في أريزونا، رأيت فجأة بشرتي في ضوء مختلف (حرفياً) في شمس أريزونا، كانت بشرتي تكتسب السمرة بسهولة، فأصبحت فتاة سمراء بمعنى الكلمة.
حين دخلت فصلي في الصف السابع شعرت على الفور كم أنا مختلفة. كنت إحدى طالبتين سمراوين في الصف، وأصبحنا أفضل صديقتين، كما صادقنا عدة فتيات أخريات من الملونات.
لم تحظ مجموعتنا بأي شعبية على الإطلاق. كنا نرتدي ملابس غير عصرية، ونظارات غير عصرية، وكنا نتفوق في المدرسة (حين كان ذلك مخالفاً للموضة). كنا الطلاب المتفوقين المحاطين بطلاب لا همّ لهم سوى مظهرهم، وحضور الحفلات في نهاية الأسبوع وتعاطي المخدرات والكحول. كنا سذجاً وأبرياء واعتبرنا اختلافنا وسام شرفٍ، مع الحفاظ على قدر معين من الخفاء الاجتماعي.
خلال الفترة التي عاشتها عائلتي في ولاية أريزونا، حدث حدث غيّر مجرى حياتنا.
كان 11 سبتمبر/أيلول 2001 من أسوأ أيام حياتي. لقد مات جزء مني في يوم من أيام الأسبوع بدا عادياً في أول الأمر. وصلت إلى تدريب فرقة الموسيقى في الفجر فوجدت زملائي يتابعون التليفزيون باهتمام بالغ، حيث كانت ناطحة سحاب ضخمة قد احترقت وسقطت على الأرض. لقد شعرت بالرعب والصدمة.
خرجنا للتدريب في هذا اليوم، على الرغم من الكارثة، وكان اليوم عادياً حتى بدأنا حضور الدروس. بعض المدرسين استمروا في التدريس كعادتهم، في محاولة للتمسك ببعض مظاهر الحياة الطبيعية، في حين قرر آخرون التخلي عن الجدول وإجراء مناقشة حول أحداث اليوم.
لم يكن الجميع يعلمون أنني عربية. بالتأكيد، كان اسمي غريباً وكانت بشرتي أغمق قليلاً من معظمهم، ولكن كنت واحدة من ضمن الأقليات التي لا يمكن لأحد تحديدها. كان الناس في كثير من الأحيان يظنون أني من أصل إسباني أو لاتيني. كنت عربية غير مرئية تحاول الحصول على درجات جيدة لإرضاء والدَي المهاجرين. وطوال فترة بقائنا في ولاية أريزونا، كنت أحاول أن أبقى غير مرئية.
حاولت استخدام هويتي العرقية لصالحي، ولكن خلال الفترة الأخيرة من اليوم الدراسي في 11 سبتمبر/أيلول، لم أستطع البقاء غير مرئية أكثر من ذلك.
بدأ المعلم البديل في درس الإسبانية مناقشة حول أحداث اليوم. بدأ الطلاب في تعميم سلوك مجرمي هجمات 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية على جميع شعوب الشرق الأوسط.
كنت أدعى إرهابية، وحشية ومجرمة وجهاً لوجه من قِبل الطلاب الذين كنت قد تناولت الغداء معهم قبل 3 ساعات. لقد اتُّهمت بالرغبة في إيذاء البلد الذي ولدت فيه وعشت فيه طوال حياتي. صرت مرئية مرة أخرى، وهذه المرة بطريقة لم تعجبني. لم صرت مرئية؟ لا لأنني كنت فتاة سمراء ممتلئة وصلت لمرحلة البلوغ في وقت مبكر، أو لأنني كنت طالبة مجتهدة لها الكثير من الأصدقاء الملونين، ولكن لأنني كنت أميركية من أصل عربي.
لم أكن أبداً عربية في المدرسة حتى ذلك اليوم. لم أكن أتحدث العربية بين أصدقائي. لم أكن أذكر قط عائلتي الممتدة الكبيرة التي غمرتني بالحب في كل حدث كبير، أو بالضغط لتحقيق النجاح في الولايات المتحدة كطفلة من أبناء اللاجئين الذين دفعوني للاجتهاد في المدرسة.
لذلك، رغم أني أردت أن أبقى غير مرئية في ذلك اليوم، فإنني اعترضت على التعميمات التي كان زملائي يقومون بها. تحدثت وأبلغتهم أني عربية، ولكني لست إرهابية.
تحدثت والدموع في عيني، دفاعاً عن منطقة كاملة من الناطقين بالعربية. ذهبت إلى البيت في ذلك اليوم (أو بمعنى أدق أُرسلت إلى البيت، مع بعض الأطفال الآخرين من قِبل الإدارة بعد أن تعرض طفل باكستاني لهجوم في الردهة) متعبةً، ومرهقة وغاضبة، أن هذا "الخفاء" الذي يشكل جزءاً كبيراً من هويتي قد دُمّر. كان أصلي العربي الآن مرئياً وفي دائرة الضوء.
في العام التالي، فقدَ والدي عمله بسبب التمييز الذي واجهه كرجل عربي. كان علينا أن نترك أريزونا ونبيع منزلنا لنستطيع البقاء على قيد الحياة. عدنا إلى كاليفورنيا حيث كان عليّ أن أنهي العامين الأخيرين من المدرسة الثانوية قبل التقدم للكلية. أتيحت لي الفرصة للحصول على هوية جديدة في مدرسة ثانوية جديدة مع أناس لا يعرفون من أنا ومن أين جئت- كان لدي فرصة أن أعود غير مرئية مرة أخرى.
انكببت مرة أخرى على دروسي ومهاراتي. لم يكن مهماً أني كنت سمراء اللون، كان يهمني فقط أنني ذكية. حاولت التفوق في كل شيء؛ لأتميز بطرق غير عنصرية ولا عرقية.
ولكن، عندما حان وقت التقدم للكلية، كانت المؤسسات تطلب مني تحديد هويتي العرقية من بين قائمة محدودة من الخيارات. ولم يكن أي من هذه الخيارات "عربياً". أخبرتني تعليمات النموذج ومستشار الإرشاد بأنني كان من المفترض أن أختار "أبيض/قوقازي"؛ لأن أصولي من الشرق الأوسط. لكني لم أكن أشعر بأنني "بيضاء". بالتأكيد لم يكن لدي تجارب الحياة نفسها مثل الأطفال "البيض" الذين نشأت معهم في ولاية كاليفورنيا وأريزونا. بالتأكيد لم أبدُ "بيضاء".
انتهى بي الأمر باختيار "أخرى" في جميع استمارات التقدم للجامعة، كشكل من أشكال الاحتجاج الشخصي. كانت هناك مواقف متعددة في حياتي كنت فيها "أخرى"، حيث كنت مختلفة عن بقية أقراني. طلبت مني بعض المؤسسات أن أوضح كلمة "أخرى"، ثم أعيد تصنيفي كـ"أبيض/قوقازي" عندما اكتشفوا أن لدي أصولاً من الشرق الأوسط.
لم أكن مؤهلة للحصول على منح الأقليات كـ"بيضاء".
لست الوحيدة التي مرت بأزمة الهوية هذه في كل مرة تملأ فيها استمارة تطلب تحديد العرق. أنا واحدة من نحو 3.7 مليون عربي أميركي يعيشون في الولايات المتحدة دون معرّف عرقي. لقد اكتشفت مؤخراً أن مكتب الإدارة والميزانية (التابع للحكومة الاتحادية) يعمل مع جماعات الدعوة والباحثين العرب الأميركيين لاختبار معرف الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تعداد الولايات المتحدة في عام 2020.
لقد دعوا إلى إبداء تعليقات عامة بشأن إدراج هذا المعرِّف بدراسات استقصائية تعدادية في المستقبل، ومن ثم فإنني أعد داعية لهذا المعرف الجديد. نحن، كعرب، بحاجة إلى أن يرانا الناس ويستمعوا لنا، ونحن بحاجة إلى أن نشعر بأننا ننتمي إلى هذا البلد، لسنا مجرد "عرقية أخرى".
كانت هناك أوقات في حياتي أُجبرت فيها على أن أكون مرئية عندما أردت أن أبقى غير مرئية. ولكن في هذه المرحلة من حياتي أريد أن أكون ظاهرة، أريد أن أُعرَف، أريد مربع الاختيار الخاص بي، أريد أن أختار "منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".
سيساعد هذا الأميركيين العرب على أن يكونوا مرئيين بطريقة يمكنهم أن يوافقوا عليها، بطريقة تمكنهم من قول: "نعم نحن عرب!"، وسوف يساعد أيضاً في تقييم الاحتياجات في مجتمعاتنا المتنوعة والدعوة إليها. قد يكون معرِّف منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مجرد مربع اختيار في استمارة، ولكن بالنسبة للأميركيين العرب مثلي، هو الاعتراف بأنني لست "خفية".
– هذه التدوينة مترجمة عن النسخة الأميركية لـ"هاف بوست". للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.