بعد انتهاء أزمة الكركرات بين المغرب والبوليساريو.. مَن المستفيد؟

تبدو حصيلة الأزمة في صالح المغرب وإن مرحلياً، خاصة بعد نجاحه في تجاوز الضغوط التي مارسها روس في نهاية عهدته، في ظل إمكانية عودة الملف إلى نقطة الصفر مجدداً مع تسلّم المبعوث الأممي الجديد له، لكن لا ضامن من عدم خروج الأمور عن السيطرة مجدداً، مع غياب أية مؤشرات حول المقاربة التي سيعتمدها الأمين العام الأممي غوتيريس ومبعوثه الشخصي بعد تسلّمه لملف النزاع.

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/13 الساعة 08:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/13 الساعة 08:01 بتوقيت غرينتش

أفضت الضغوط التي مورست من طرف القوى الدولية أخيراً إلى إنهاء مسلسل الشد والجذب الذي عاشت على وقعه المنطقة، والذي أبان عن العديد من الحقائق التي بات من اللازم تسليط الضوء عليها، بعد انكشاف سحابة التوتر التي خيَّمت على المنطقة طوال ثمانية أشهر، باستجابة البوليساريو للضغوط الدولية وانسحابها من الكركارات أسوة بالمغرب، وبالتالي تجنيب المنطقة ويلات الحرب، خطوة من شأنها أن تدعم واقع السلم الذي بالإمكان أن يترسخ بإقدام الطرفين وبقية بلدان الجوار على خطوات جدية أخرى من شأنها حصر مخلفات وتأثيرات أكثر من أربعين سنة من النزاع في المنطقة، وتخفيف معاناة اللاجئين عبر استكمال إجراءات بناء الثقة التي سبق أن اتفقا عليها والدخول في مفاوضات جادة بغرض التوصل إلى حل سياسي عادل ومتوافق عليه -كما تنص على ذلك قرارات مجلس الأمن المتعاقبة- ينهي هذا النزاع الذي عمر أكثر من اللازم.

تطورات فضحت الغياب التام لـ"المجتمع المدني" المحلي داخل أطراف النزاع، الذي عجز أن يدلي بدلوه ويدافع عن مصير شعوبها، والذي كادت أن تعصف به أزمة الكركارات، كما أظهرت الضعف الكبير الذي تعيشه منظمة قارية من حجم "الجامعة العربية" التي مرت قمتها دون أن تجرؤ على لعب أي دور للتدخل لإصلاح ذات البين بين الإخوة ولحل الأزمة، لتؤكد أيضاً حالة الموت السريري التي يعيشها الاتحاد المغاربي الذي يُفتقد دوره في أزمات كهذه، في ظل حالة الاستقطاب التي يعرفها اﻻتحاد الإفريقي بين الدول الموالية للمغرب والداعمة للبوليساريو؛ لتبقى القوى الدولية هي اللاعب الرئيسي والوحيد في ملعب الأزمة الشاغر.

الآن وبعد تجاوز الأزمة التي كادت تنهي اتفاق السلام، وتفتح مستقبل المنطقة على المجهول، تبرز حصيلة الطرفين التي ﻻ تعدو تسجيل بعض الانتصارات المرحلية الضيقة دون القدرة على حسم مسار النزاع بشكل نهائي لأي منهما، لكن تبقى هناك بعض الأهداف المسجلة في شباك كل طرف، فالمغرب سينجح في التخلص من المبعوث اﻷممي كريستوفر روس الذي حاول في السنتين اﻷخيرتين من عهدته أن يرفع ملف النزاع إلى البند السابع بمجلس الأمن، وبالتالي استصدار قرار إلزامي يقضي بفرض مقترحه القاضي -بحسب ما أشيع- بتطبيق "النظام الفيدرالي" وبالتالي منح الإقليم صلاحيات واسعة واﻻكتفاء بمظاهر السيادة المغربية عليه، وهو ما تسبب في توتر علاقاته بالمغرب بعد أن تم تسريب موافقة دُوَل "نادي أصدقاء الصحراء الغربية" على مقترحه، الأمر الذي حذا بالمغرب إلى عدم التعاطي معه ومواجهته في أكثر من مناسبة؛ حيث رد على تصريح الأمين العام الأممي السابق بان كي مون الذي أدلى به في مخيمات تندوف واصفاً الإقليم المتنازع عليه بـ"المحتل"، بطرد عناصر المكون المدني المينورسو، ما تسبب في تركيز النقاش داخل أروقة الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن خلال الموعد السنوي -تحديداً قبل سنة من الآن- في الجلسة الخاصة بالملف، حول إعادة العناصر المطرودين بدل مناقشة خطة كريستوفر لحل النزاع.

سيجتاز المغرب مرة أخرى امتحان جلسة مجلس الأمن نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول التي كانت مقررة حول النزاع الصحراوي، والتي كان سيستغلها كريستوفر روس لتمرير مقترحه، لكن وقبل ذلك الموعد بشهرين سيتلقى المغرب، وعلى غير المتوقع، هدية قيمة من البوليساريو، ستتمثل في تدخل الأخيرة العسكري بالكركارات الحدودية لعرقلة أشغال تعبيد الطريق في المنطقة العازلة، ما سيخلق الأزمة التي ستشغل مجلس الأمن مرة أخرى في الوقت الضائع المتبقي من فترة الأمين العام الأممي بان كي مون ومبعوثه الشخصي كريستوفر روس اللذين كانا يريدان ترك بصمتهما على النزاع بمحاولة فرض حل قبل مغادرتهما منصبيهما، الأمر الذي سيعيد مسلسل المفاوضات إلى المربع الأول مجدداً مع الأنباء التي تفيد بنية الأمين العام الأممي الجديد أنطونيو غوتيريس تعيين مبعوث أممي آخر، وهو ما يفسر مسارعة المغرب إلى اﻻنسحاب من الكركارات مباشرة بعد تلقي أول مناشدة بذلك من غوتيريس.

أما جبهة البوليساريو فقد كانت في حاجة لفرصة لتعلن من خلالها عملياً عن زعيمها الجديد إبراهيم غالي، خاصة أنها حرصت طوال أشهر على الترويج لنمط القيادة الجديد المغاير لنمط سلفه الراحل محمد عبد العزيز، في ظل حالة الامتعاض من بقاء الوضع على ما هو عليه، والتي تنتشر في أوساط أنصارها، فحاولت أن تستغل أزمة الكركارات؛ لكي تسوق لصورة القائد العسكري الصارم والمتواجد في الميدان عبر تسريب صور وأشرطة مرئية لزياراته الميدانية للكركارات ولمنطقة لكويرة الساحلية وترويجها إعلامياً على أنها انتصارت مدوية في ظل اﻻنسحاب المغربي؛ حيث ظهر مراراً وهو يقوم بالإشراف على رفع عَلم الجبهة في نقاط تمركز عناصره، كما استغل الأزمة لأجل تعبئة قواعده بمخيمات تندوف، عبر القرارات القاضية برفع حالة التأهب العسكري في أكثر من مناسبة.

من جهة أخرى، ستواجه الأطراف مخلفات الأزمة، والمتمثلة بالنسبة للمغرب أساساً في تأزم علاقته مع الجارة موريتانيا التي عمدت إلى محاولة التقرب من الجزائر في المدة الأخيرة، عبر إبرام اتفاقيات ثنائية تهم إنشاء طريق بري سيكون منافساً للطريق الرابط بينها وبين المغرب، كما عمدت إلى مساعدة البوليساريو لوجيستيكياً في نقل عناصرها والتمركز في منطقة الكركارات المحاذية لها.

من جهتها البوليساريو ﻻ تبدو أفضل حاﻻً، خاصة فيما يتعلق بجبهتها الداخلية، فقيادة الجبهة لن تستطيع تبرير تدخلها وتسويقه لقواعدها على أنه انتصار بعد أن تراجعت عن وعودها بـ"الصمود" وعدم الانسحاب من الكركارات، وهو ما يبدو جلياً من خلال تناول بعض النشطاء والوسائل الإعلامية المحسوبة عليها لموضوع انسحابها من الكركارات، والتي طغى عليها انتقاد الخطوة (موقع المستقبل الصحراوي) أو تجاهلها (وكالة أنباء البوليساريو).

يبقى الأهم هو حفاظ الأطراف على الطابع السلمي للنزاع طوال ربع القرن الأخير، عبر الالتزام باتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة بينهما سنة 1991م، رغم حدوث بعض الانتهاكات البسيطة له بين الفينة والأخرى، والتي يشير إليها الأمين العام الأممي في تقاريره، لكنها انتهاكات لا ترقى للتحدي الحقيقي الذي مثلته أزمة الكركارات لجهود المنظمة الأممية ومن ورائها المجتمع الدولي في الحفاظ على وضع السلم بالمنطقة.

في النهاية.. تبدو حصيلة الأزمة في صالح المغرب وإن مرحلياً، خاصة بعد نجاحه في تجاوز الضغوط التي مارسها روس في نهاية عهدته، في ظل إمكانية عودة الملف إلى نقطة الصفر مجدداً مع تسلّم المبعوث الأممي الجديد له، لكن لا ضامن من عدم خروج الأمور عن السيطرة مجدداً، مع غياب أية مؤشرات حول المقاربة التي سيعتمدها الأمين العام الأممي غوتيريس ومبعوثه الشخصي بعد تسلّمه لملف النزاع.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد