الأمعاء الخاوية

تحية إجلال وإكبار لأسرانا في معتقلات الصمود، وهم يصارعون احتلالاً مقيتا، يجابهون الموت، من خلال الجوع والقهر، ومن خلال مصارعة الأمعاء الخاوية، من خلال الحرمان، ومن وراء القضبان.

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/10 الساعة 02:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/10 الساعة 02:42 بتوقيت غرينتش

الليل أتعبنا ظلامه، والغدر أعتانا سهامه، والبرد أسقمنا مخالبه، والجوع أضنانا كفره، والأصفاد ألهبنا مكالبه.

إنها قضية ليست كأي قضية، هي أولويات الأحداث، هي بوصلة السلام العالمي، هي عجز وتواطؤ ومؤامرات، هي تعسف وإجرام وظلم وافتراءات.

قضيتهم إنسانية وشريفة وعادلة، وهم أصحاب حَق وحس وضمير.

ذنبهم عشق الوطن، وهمهم إرجاع ما سلب من كل الوطن.. من الحجر والبشر.

أعتى مصائب البشر سلب الحرية من الروح والجسد، وسلب الحقوقِ والكرامة من الإنسان والولد، سلب كريم العيش وتزوير قصص التاريخ، وتيه خطط المستقبل للأجيال في الشتات والوطن.

لأجل عيونك فلسطين.. ولأرضك المباركة فلسطين.. ولأجل القدس والأقصى فلسطين.. ولأجل أجيالك فلسطين كانوا.. وأصبحوا.. وبقوا أسرى، لتحرير أرض فلسطين.

منهم المؤبد لكل العقود، ومنهم حكم عليهم بظلم لاعتقال مجحف، لعشرات السنين، وأقلهم، صودر حراكهم لأيام وشهور.

تحية إجلال وإكبار لأسرانا في معتقلات الصمود، وهم يصارعون احتلالاً مقيتا، يجابهون الموت، من خلال الجوع والقهر، ومن خلال مصارعة الأمعاء الخاوية، من خلال الحرمان، ومن وراء القضبان.

ومن وراء القيد الذي يهدف للحرية، وحق تقرير المصير، ورسم الكبرياء والفخر لوطن يأبى الاستسلام والركوع، للذل رغم الأوجاع والتنكيل.

ومن وراء الأصفاد والحديد والظلام، من وراء الأسوار والقسوة والظلم، والتبجح والإذلال، لاحتلال فاشي يكتم الأنفاس والهواء ويسلب الحرية والأحلام.

حواجز وجدارات عنصرية ومقاليع، قنص على الطريق والحدود والحارات، وأبشع الممارسات والانتهاكات، ولكن هيهات وهيهات.

أفواج من الأسرى تزيد كل يوم تباعاً بإضراب مفتوح يبث في زنازين القهر أصداء من الأمل رغم الألم، وصرخات من التحدي والغضب، يشهرونه مجلجلاً في وجه اللؤم والظلم وقساة القلوب.

أصوات وأمعاء تصرخ في عتمة الليل، تنادي من أيقونة الحب.. فلسطين.. تنادي وتحاكي العالم للوقوف لجانب الحق، وبين جبال وسهول بلاد العز وقصائد محمود درويش، تردد كلام الأحرار والشرفاء، تردد ملحمة الصبر والبطولة والجوع.

صامدون للعيش بكرامة بين ربوع الوطن..
لكسر القيد.. ولنيل أبسط المطالب والحقوق والحريات..

تنادي بالتضامن، والوقوف معاً كباراً وصغاراً لتلبية مطلبهم بتحسين شروط الاعتقال، والسماح لذويهم بالزيارة والوصول للسجون، بيسر ودون معاناة وبلا حواجز ومتاريس، عقوبات مجحفة جائرة تفرضها إدارات الاعتقالات بحقهم، أطفال يعتقلون وهم في عمر الزهور، تقابلها إرادة حديدية لأناس جبارين، تقفز أرواحهم بين تراب الوطن تترقب شعاع الفرج، لتضيء ساحات العزة والفخر؛ لتعترف لهم الأمم بالانتماء للوطن، فهم أصحاب الأرض، والأصل، يحملون على أكتافهم أرواحاً تخط معارك التاريخ والهوية، لوطن مغتصب، تؤرق السجان وتهز سارقي الأرض والكرامات، للاعتراف بحقهم بالحياة على تراب دمغ من القدم، ببصمات أقدام الأسلاف ودماء الأجداد.

طفلي الكبير الصغير.. اشتقت لبابا، وبابا يأكل الصخر بدل الطعام، حقاً لوعتك ودمعك وأغنيتك تشق الصخر والبحر، وتدمي القلب وتسخط المسبب للقتل، ولكن أنت تبعث الأمل، أنت الرجاء.. واليوم يوم غضب.

الأعوام تسير مثقلة بالهم والعجز، والصغير يكبر، والزوجة تشقى، والأم تموت، وأب كهل يحملق في الفراغ ينتظر إفراج ولد تعدَّى البلوغ، وعقله أمسى التاريخ والهوية.. والأسير قابع في سجن القضية، محروم من حقوقه الإنسانية، لفجور سجان الحرية، وعقوق العروبة الأخوية، أسير قابع في غياهب العزل والانفرادية، يبحث وينبش عن عدالة وكرامة اختفت، وحق انتهب، ومطالب وأبسط الأشياء من زاد ودواء وقلم منع، وشمس غابت وجسد ذبل، ولكن الإرادة فولاذية صامدة كالجبال.

وجبروت واحتلال مجرم يقتل ويعذب، وينتهك أقذر سبل العذاب كل يوم، وكل ساعة يغتصب الطفولة والرجولة والأنوثة، ولكن الصمود هو عنوان الأسر رغم وحشية وتكتيك فرق السجان.

في تلك السجون، ترتكب أقسى الأفعال، وأبشع الممارسات وأقبح الانتهاكات تمارس بحق الإنسانية، بحق ألوف من الأسرى، مكدسين بتلك الزنازين، ومنهم ما يقارب الألفين يعانون إضراب الأمعاء الخاوية.

المطلوب هو نصرة الأسرى، وتدعيم الوحدة بين القيادات الفلسطينية، والتضامن مع الحق والعدل، وإعادة الوهج والشعلة للقضية، أقدم وأظلم قضية في تاريخ الصراعات.

على كل الأحرار في هذا العالم مناصرة قضيتنا ومناصرة أسرى الحرية.. أسرى الوجود والمصير.

من الجدير بالذكر أن الآن يرزح ما يزيد على أحد عشر ألف أسير فلسطيني خلف القضبان، يتعرضون للتنكيل والتعذيب يومياً، ويسقط الشهداء منهم نتيجة الضرب المبرح والتعذيب، وأحياناً بالرصاص الحي كما حدث مع الأسير "محمد الأشقر"، الذي استشهد رمياً بالرصاص قبل خمسة شهور، وحدث أيضاً مع مائة واثنين وتسعين شهيداً هم حصيلة الأسرى الشهداء الذين ارتقوا نتيجة القمع والتنكيل الذي يتعرضون له في معتقلات وباستيلات الاحتلال.

عار عليناً غض النظر، فهم أجدى مناصرة من البرصا وإيطاليا، وألمانيا ومدريد، وبقية رياضيي الفرق، التي تثير ما شاء الله الحمية للعروبة وكأنها من الأمجاد!

صبراً بني فلسطين، فبعد كل ظلام وهَمّ يأتي الضوء والفرج والنصر للقضية.. اشتدي أزمة تنفرجي.

أقتبس هنا كلاماً لأحد الأسرى المحررين يقول:

"أسوار السجن عالية.. تلامس غربان السماء.. بوابة السجن هائلة.. أبواب السجن كثيرة.. والحرية لها باب واحد.

في يد السجان رزمة من المفاتيح.. للباب الأول.. والثالث.. والعاشر.. للباب الأول والأخير.. لغرف وحجرات فوق الأرض.. ولزنازين وخزائن تحت الأرض.. مفاتيح كثيرة.

أيهما أقسى؟ قفل السجن أم قلب السجان؟".

وأقتبس كلمة لإحدى أمهات السجناء المضربين عن الطعام، تقول:

"عين تبكي وعين تضحك.. العين تبكي لجوع ابني وعين تضحك لكرامته وعزته وكبريائه".

وأنا أقول: "خسارة على قلوبنا التي هاجرت وقست وصدئت ولم تعد على بعضنا ندية".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد