ما الذي تغير في الحراك السياسي العراقي؟ ساسة بغداد من السنة والشيعة يحجون إلى النجف، وكلما اقتربت مرحلة الانتخابات اتخذ فيها الساسة طريق الحوار بعدما كانوا أبعد عن تغيير المسار السياسي من السلبية والمحاصصة إلى الإيجابية والمنافسة.
وللوهلة الأولى بدا التيار السياسي السني القريب من المحور العربي متعجرفاً ومتردداً ملقياً اللوم على التيار السياسي الشيعي والمحور الإيراني، في حالة تبريرية لا معنى لها، والحج إلى النجف لا دخل لمرجعية السيستاني فيه بل هو تحديداً لزعيم التيار الصدري.
خصوم التيار الصدري كانوا يتهمون الحراك الصدري بالمستقبل المجهول والغامض وأن خطواته وقراراته من دون دراسة مسبقة سوى ما يتضمنه الشعار الشديد الاختصار (الإصلاح).
حاولت الجيوش الإعلامية في الإعلام التقليدي والإعلام البديل أن تفرض انطباعاً لدى الشعب العراقي حول شخصية مقتدى الصدر؛ أنه شخص عاطفي يتخذ القرارات بناءً على انطباعاته، وبالتالي على الشعب أن يحذر من مزاجه، كما يزعمون، وأنه غيّر نظرته عن السنة العرب لما شاهد التعايش والتسامح بين سرايا السلام وسنة سامراء؛ حيث تعتبر التجربة العراقية المثلى للتعاذر والمصالحة المجتمعية في مدن السنة بعد تحريرها من داعش.
ثمة نقطة محورية هامة هي أن قسماً كبيراً من التيار المدني الشيوعي والليبرالي، حملوا مسؤولية رفع شعار "الإصلاح" بعد التفاهم مع التيار الصدري، فرسالتهم إلى الحكومة والبرلمان والقضاء العراقي ترجمها أنصارهم إلى حراك سلمي عمره تجاوز العامين، في حراك يمتلك أدوات الضغط الكاملة وكذلك يمتلك انضباطاً لم يشهد له مثيلاً في تاريخ عراق ما بعد 2014.
كل ذلك جعل الساسة يتخذون من السيد مقتدى الصدر مركزاً لاهتمامهم، بل اعتبره البعض العنصر الأقوى في المعادلة السياسية الشيعية، أي حجر زاوية وبديل من الخصومة والعداوة مع الأحزاب الشيعية، أو التسليم للسيد المالكي بما يبغيه ويخطط له من برامج وقرارات سياسية وحكومية.
وكشف الصدريون في لحظة مكاشفة عن موقفهم المتحفظ من ورقة التسوية التي قدمها السيد عمار الحكيم، وأيضاً تحفظهم على الحراك السياسي السني خارج الحدود العراقية، وأنهم ليس لهم أية شراكة مع الدكتور العبادي ولا غيره من سياسيي ائتلاف دولة القانون، وأيضاً موقفهم من تقوية الجيش العراقي بدلاً من إنشاء جهاز عسكري أو أمني رديف أو مساند من قوات الحشد الشعبي، وأنهم مع مطالب الشعب العراقي التي يكفلها الدستور والقانون.
فأين هي القوى الماسكة للبيت السياسي الشيعي؟ وما دورها في التنافس والصراع بين قطبي البيت الشيعي المالكي والصدر؟ وأين الترويج لحل قد تم بجلسة حوارية وبوساطة إيرانية أو لبنانية؟ وهل كل ذلك كان مجرد تحليلات وتخيلات للكتاب والإعلاميين، حتى تبقى الأحزاب الشيعية مسيطرة على الحكم والإدارة في بغداد إلى أن يتم تحرير كل العراق عسكرياً من تنظيم داعش!
السيد عمار الحكيم القطب الثالث في البيت السياسي الشيعي هو أحرص من الآخرين على وحدة التحالف الوطني الشيعي الحاكم، وهذا ما أضر بمعيته وأنصاره وفوت عليهم فرصاً كبيرة ومناصب عديدة بسبب تنازلاته من أجل هذه الغاية.
وأما الأحزاب الشيعية الصغيرة والصاعدة من الذين يحبون المساعدة بالوصول لضعف أدواتهم السياسيّة، مالوا إلى القطب الأقوى من أجل الدعم المالي والإعلامي وصناعة الجاه مقابل تقديم فروض الطاعة للقوي.
الأهم أن التحالف الوطني الشيعي قد تشقق بل هو إلى الانهيار أقرب، والتصعيد وعدم الثقة ونشر الغسيل في الإعلام والتراشق بالاتهامات بين أحزاب التحالف الوطني الشيعي، أصبح من يوميات المشهد السياسي العراقي، ما يعني أن لا عودة إلى الوفاق قريباً.
وأما قادة الحشد الشعبي فهم جزء من البيت السياسي الشيعي، وغالبهم من ائتلاف دولة القانون بزعامة السيد المالكي، عرباً وتركماناً، شيعةً وسُنَّةً، ويدركون جيدًا أن حزب الدعوة الحاكم يعمل ليل نهار إلى إبقائهم تحت جلبابه، وإلا سوف تعيش تلك القيادات في حالة من الضعف وضياع الفرص السياسيّة في المستقبل القادم.
وتقع على قادة البيت السياسي الشيعي العراقي مسؤولية قبل غيرهم لإدراك أن صراعاتهم وخصومتهم هي أحد أكبر أسباب ضياع الهوية المركزية للعراق، وهي أحد أسباب الفشل بالمؤسسات الحكومية في القيام بواجباتها ومسؤولياتها، ونلمس من خلال العودة إلى تاريخ الخصومات بين أقطاب البيت السياسي الشيعي ومراجعة آثارها على البلايا والنكسات التي نزلت بالعراق بعد 2003، كما أن عليهم مسؤولية إنقاذ العراق من مشاريع الحرب الأهليّة، وإعادة تأهيله لتقبل الديمقراطية بكافة وسائلها وأدواتها بعيداً عن النزعات الطائفية أو القومية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.