أميركا وإعادة سياسة الحصر ضد روسيا

حظيت الضربة الأميركية لقاعدة الشعيرات بتأييد عربي ودولي واسع، وهذا إن دلَّ على شيء فإنه يدل على شكل التحالفات التي تقيمها أميركا في سبيل إعادة سياسة الحصر ضد روسيا

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/02 الساعة 03:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/02 الساعة 03:53 بتوقيت غرينتش

عملت أميركا بعد الحرب العالمية الثانية على تحقيق سياسة الحصر ضد الاتحاد السوفييتي، وأن تقيم سياجاً منيعاً يحمي مصالحها في مختلف أنحاء العالم، انطلاقاً من مبدأ ترومان ومشروع مارشال والمساعدات الاقتصادية، وكان من أهم عناصر تنفيذ هذه السياسة إقامة الأحلاف العسكرية.

إن ما تشهده اليوم الساحة السورية والليبية يؤكد أن التاريخ يعيد نفسه، فالسياسة الأميركية التي كانت تنشد محاربة المد الشيوعي، تخرج علينا اليوم بمصطلح "الإرهاب" وباختراع جديد اسمه "داعش"؛ إذ أصبحت محاربة الإرهاب والمد الداعشي مبررَ ترسيم سياساتها في المنطقة.

رأى بعض الباحثين والمحللين أن الضربة الأميركية الأخيرة لقاعدة الشعيرات التي جاءت رداً على قصف النظام السوري خان شيخون بحسب ادعاء أميركا ترسم مساراً أميركياً جديداً نحو سوريا.

قد يكون هذا التحليل صائباً، ولكن في الإطار السياسي الآني وليس الاستراتيجي، فالاستراتيجية الأميركية تتمثل في محاصرة روسيا وحماية مصالحها في المنطقة، ومثلت ضربة خان شيخون فرصة ذهبية للإسراع في إنفاذ سياسة الحصر الأميركية ضد روسيا، ويمكن القول هنا: إن الإرهاب الضمان الوحيد لأميركا.

حظيت الضربة الأميركية لقاعدة الشعيرات بتأييد عربي ودولي واسع، وهذا إن دلَّ على شيء فإنه يدل على شكل التحالفات التي تقيمها أميركا في سبيل إعادة سياسة الحصر ضد روسيا.

يُذكر أن الدول العربية التي أيدت الضربة الأميركية هي نفسها التي استثناها ترامب من قرار حظر دخول أميركا.

على الصعيد الغربي، كان البيت الأبيض قد أعلن في بيان له أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أجرى اتصالات مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بشأن الضربة الجوية الأميركية في سوريا؛ حيث تم الاتفاق على "أهمية تحميل الرئيس السوري بشار لأسد المسؤولية عن هجوم خان شيخون وأن هناك فرصة لإقناع روسيا بالتوقف عن دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد".

في السياق ذاته، كان قد اجتمع وزراء خارجية دول مجموعة السبع الكبرى (الولايات المتحدة وألمانيا واليابان وبريطانيا وكندا وفرنسا وإيطاليا) مع وزراء خارجية تركيا والسعودية والإمارات والأردن وقطر، لمناقشة الشأن السوري، وعلى الرغم من عدم الإجماع على فرض عقوبات جديدة أخرى على روسيا باعتبارها أداة فعالة، فإنه تم الإجماع على أنه لا حل ممكن في سوريا طالما لا يزال الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة.

تأتي هذه الاتصالات تماهياً مع سياسة الحصر الأميركية ضد روسيا، إلا أن عدم اتخاذ خطوات تصعيدية مع روسيا بشكل مباشر، يعني أن روسيا اليوم تختلف عن الاتحاد السوفييتي بالأمس، وأنها لا تواجه معضلات اقتصادية بحجم التي كان يواجهه الاتحاد السوفييتي وأنها حاضرة بقوة رغم التحالفات الأميركية الواسعة.

فيما يتعلق بالساحة الليبية، فلا يمكن فصلها عما يجري في سوريا؛ حيث إن السياسة الأميركية إزاء سوريا تأتي في إطار سياسة الحصر الأميركية العامة ضد روسيا، ومن ضمنها ليبيا والتي تجمعها بروسيا علاقات اقتصادية وتجارية كبيرة، إلى جانب وجود قواعد بحرية وجوية روسية شرقي ليبيا.

كشفت صحيفة الغارديان البريطانية قبيل قمة مجموعة السبع عن خطة أميركية لتقسيم ليبيا إلى ثلاث دول على أساس أقاليمها الثلاثة القديمة: طرابلس في الغرب، وبرقة في الشرق، وفزان في الجنوب.

وقد شددت مجموعة السبع في بيانها الختامي بشأن ليبيا على أهمية تشكيل قوات عسكرية موحدة تحت إشراف مدني، لضمان نجاح جهود محاربة الإرهاب، وأن جميع العائدات النفطية يجب أن تحول إلى المصرف المركزي، الذي بدوره يضعها تحت تصرف المجلس الرئاسي.

إن هذا يعني أن حفتر "أسد" روسيا في ليبيا سيتعرض لضغوط أميركية وغربية شديدة مستقبلاً، كخطوة ضمن سياسة الحصر ضد روسيا.

كل هذه الشواهد تبين وجود مخاوف ومظاهر قلق أميركية من الدور الروسي في ليبيا، وأنه يجري بشكل متنامٍ ربط الأزمتين السورية والليبية، ويأتي ذلك بهدف تحجيم الدور الروسي، بحيث لا يتجاوز المصالح الأميركية الاستراتيجية في المنطقة.

وقد تنجح أميركا إلى حد ما في هذه السياسة ولكن ليس بالسقف الذي تحدده، فروسيا اليوم ليست روسيا الأمس، والبروباغندا الإعلامية التي تتمثل في محاربة الإرهاب ليست حكراً على أميركا وحدها، كما كانت محاربة الشيوعية من قبل، فغريمتها روسيا وكافة الأقطاب الدولية تمارس هذه البروباغندا، الأمر الذي جعل مفهوم محاربة الإرهاب وأبعاده مضطرباً وبالتالي جعل إجماع حلفاء أميركا في تفاصيل السياسة الأميركية إزاء سوريا وليبيا غير ناضج أو كامل.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

واشنطن ترى فرصة لإقناع روسيا بالتخلي عن الأسد

إيرولت: مجموعة السبع تتفق على أن لا حل في سوريا مع بقاء الأسد في السلطة

ترامب يجس نبض الأوروبيين حول إحياء تقسيم ليبيا

الدول السبع الكبرى: لا حلول عسكرية للأزمة في ليبيا

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد