هل أصبح الإرهاب رهينة الزمان والمكان وهوية المنفذ؟!

بمَ وصفت ألمانيا الشخص الذي هاجم محطة القطارات الرئيسة في دوسلدروف والذي تبيّن أنه من يوغوسلافيا، وليس له علاقة بالشرق الأوسط؟ ألم تصفه بأنه مختلّ عقلياً، وأنه يعاني من اضطرابات نفسية، في محاولة منها لِلَملمةِ الحادث وإعادة الأجواء إلى طبيعتها؟!

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/01 الساعة 01:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/01 الساعة 01:43 بتوقيت غرينتش

لطالما طرقَ مسامعَنا مصطلحُ الإرهاب في الآونة الأخيرة، وذلك بعد التعقيدات الزاخمة في الشرق الأوسط.. تفجيرٌ هنا، وعمليات دهسٍ هناك، وهجومٌ بالسلاح الأبيض على الضفة الأخرى.

ولعلّ آخر الأعمال الإرهابية كان من نصيب كنيستي مصر قبل أيام، والذي أحدثَ موجةَ غضبٍ عارمة، بسبب المشاهد القاسية التي خلّفها هذا الهجوم، ولكي نكونَ مُنصِفين نوعاً ما، لا بدّ من تحديد المعالم الأساسية لمصطلح الإرهاب، وإطلاق هذا المصطلح على أيّ عملٍ يحملُ تلك المعالم المحدّدة، والأهم من ذلك كلّه هو التعامل مع الحوادث الإرهابية المختلفة في الزمان والمكان وهوية المنفّذين تعاملاً واحداً على كافة الأصعدة، ولا سيما على صعيد الإعلام.

اللافت للانتباه هو أنّه جرت العادة مؤخراً وبعد كل عمل إرهابي، على رفع حِدّة النبرة والشجب عندما يتبيّن أنّ المنفّذ من أصول عربيّة، فتجد أنّ وسائل الإعلام وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي تكاد تغصّ بالتحليلات والآراء، وبالتي واللُّتَيّ، وتتعالى أصوات المطالبة باتخاذ إجراءات حاسمة ضدّ كل من له علاقة بالشخص المنفّذ، ثمّ بعد ذلك تتحوّل القضية من قضيّة فردية تعود لشخصٍ واحدٍ، إلى قضيّة عامّة يحملُ تَبِعاتها آلافٌ من الأشخاص.

أمّا إذا تبيّنَ أنّ المنفّذ ليس له علاقة بالعرب وبالشرق الأوسط، فَسُرعان ما يُغلَقُ الملفّ ويُمهَرُ بِخَاتَمٍ مزيّف عنوانه العريض: مختلّ عقليّاً، وتتراخى وسائل الإعلام في تحليلاتها وأصواتها الصحفية.

ولعلّ نموذج الإرهاب في أوروبا خيرُ دليلٍ على صحّةِ هذا القول..
ففي مطلع هذا العام، وبالتحديد في شهر ديسمبر/كانون الثاني 2017، وفي مدينة كيبيك الكندية، هاجمَ ثلاثةُ مسلّحين مركزاً ثقافياً إسلاميّاً وأطلقوا النار على الأشخاص الذين كانوا يؤدّون صلاة العشاء فيه، وعددهم أربعون شخصاً، ممّا أدّى إلى مقتل ستة أشخاص وجرح ثمانية آخرين.

رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو قال إنّ هذا عمل إرهابيٌّ مُدَان، وأغلقَ القضيّة خلال ساعات، بعد أن قال بأن المهاجمين هم أشخاص عنصريون ومتعصّبون، وقد اتبعت وسائل الإعلام النهج ذاته في صرف الأنظار عن هذا الهجوم الذي استهدف مسجداً في كندا، بحجّة أن المهاجمين هم ثلّةٌ منبوذة في المجتمع.

وبالعودة قليلاً إلى عام 2015 إلى جزيرة كورسيكا الفرنسية، فقد هاجمَ إرهابيّون قاعة للمصلين هناك وخرّبوها وأحرقوا المصاحف داخلَها، وكتبوا عبارات معادية للعرب والمسلمين، وأثاروا حالة من الهلع والخوف في أوساط العرب القاطنين هناك، وذلك بحسب تصريح عمدة مسجد باريس لقناة بي إف إم الفرنسية، وبالتالي تمّ إغلاق الملفّ بسرعة، ولم توضّح وسائل الإعلام ملابسات الحادث.

فهل أصبحَ الإرهابُ وبعد أن كان مصطلحاً عاماً يشمل كل حالات القتل والتخويف والهجمات العشوائية، هل أصبحَ مصطلحاً خاصاً بهويّة المنفّذ؟!

وهل سيتحمّل كل من ينطق باللغة ذاتها التي نطق بها المنفّذ كل ردود الفعل الانتقامية، كي يصبح عرضةً للإرهاب المضاد الذي يتم تبريره فوراً؟!

ألم يسجّل المكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة في ألمانيا أكثر من ألف حالة اعتداء على مراكز اللجوء هناك؟! ألا تصنّف هذه الهجمات بأنها إرهابيّة تستهدف أشخاصاً أبرياء هاربين من جحيم الحروب في بلادهم؟!

بمَ وصفت ألمانيا الشخص الذي هاجم محطة القطارات الرئيسة في دوسلدروف والذي تبيّن أنه من يوغوسلافيا، وليس له علاقة بالشرق الأوسط؟ ألم تصفه بأنه مختلّ عقلياً، وأنه يعاني من اضطرابات نفسية، في محاولة منها لِلَملمةِ الحادث وإعادة الأجواء إلى طبيعتها؟!

إذاً يجب دحض كل المزاعم الرامية إلى إلصاق تهمة الإرهاب بالدين الإسلامي أو بالعروبة زماناً أو مكاناً أو أشخاصاً.

وقد أصابَ وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عينَ الحقيقة في أحد المؤتمرات الصحفية، حينما حاول أحد الصحفيين إحراجه، عن طريق التلميح بأنّ تنظيم الدولة الإسلامية يمثّل الإسلام باعتباره ذا طابعٍ إسلاميّ بحت، فقال له عادل الجبير: (جميع الأديان فيها متطرفون، ومتعصبون، وليس فقط الدين الإسلامي، فهل نستطيع القول بأن تنظيم kkk يمثل الديانة المسيحية فقط؛ لأنه يرفع شعارات السيد، المسيح؟!)
فكان هذا الجواب نقطةً لصالح الجبير، بعيداً عن مساوئه ومحاسنه.

ولو أردنا التطرّق إلى لغة النسبة والأرقام، فإنّ النرويج هي الأولى من حيث ارتفاع نسبة الجرائم، وقد وصلَ الأمر إلى تحفّظ المصادر النرويجية على الأرقام التي أعلنها مركز نيشن ماستر حول عدد الجرائم في النرويج، مكتفيةً بالقول إنّ العدد تضاعف ثلاث مرات.

ولعلّ النرويج لم يعجبها تبريرات ألمانيا وكندا وفرنسا للأعمال الإرهابية، فلم تقل إن مجرميها مختلون عقلياً أو يعانون من اضطرابات نفسية، أو عنصريون ومتعصّبون، بل قالت بأنهم تجّار مخدّرات وهم ملاحَقون أمنيّاً.

وهنا لا بدّ من القول إنه يجب الاعتراف بأنّ الإرهابَ إرهابٌ بغضّ النظر عن الزمان والمكان والمنفّذين، ولا بد من وضع مفهوم الإرهاب على صراطه الحقيقي؛ لكي لا يصبح وشماً خاصاً بفئةٍ دون غيرها، أو ذريعة للاعتداء على الأبرياء وبث روح الكراهية للاجئين القادمين من الشرق الأوسط، مثلما حصلَ بعد وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض؛ حيث مُنِعَت أصنافٌ من الناس وعلى مزاجه الخاص من دخول الولايات المتحدة الأميركية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد