لم تكن النكبة حدثاً وحيداً‎

تشكل ذكرى النكبة في العقل والوعي الفلسطيني جزءاً هاماً وعلامة مميزة في شخصيته وفي بواطن وجدانه، رغم كل محاولات الاحتلال الصهيوني في محو الذاكرة الفلسطينية الجماعية لأحداث النكبة، والمحاولات المستمرة والحثيثة من أجل تحقيق ذلك.

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/29 الساعة 02:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/29 الساعة 02:46 بتوقيت غرينتش

تشكل ذكرى النكبة في العقل والوعي الفلسطيني جزءاً هاماً وعلامة مميزة في شخصيته وفي بواطن وجدانه، رغم كل محاولات الاحتلال الصهيوني في محو الذاكرة الفلسطينية الجماعية لأحداث النكبة، والمحاولات المستمرة والحثيثة من أجل تحقيق ذلك.

رحل الأجداد والآباء عن أرضهم وديارهم واقتلُعوا منها وهُجروا تهجيراً قسرياً بعد أن ارتكبت عصابات شتيرن والأرغون الصهيونية أبشع المذابح بحق أصحاب الأرض الأصليين، ونجا من الأهالي من كُتب له النجاة.

لم تنطوِ تلك الأحداث ويُنسَ ما فات من تفاصيل مُسطرة للذاكرة والتاريخ كثيراً من المفردات على أوسع فضاء ممكن، واختيار مفردة النكبة في سياق تفجير كل الطاقة المفهومية والاستمرار في إحياء ذكراها كل عام في الـ15 من شهر مايو/أيار، وحملها من جيل إلى جيل والاحتفاظ بالكواشين ومفاتيح البيوت الشاهدة على حق الشعب الفلسطيني في أرضه وتمسكه بحق العودة مسلكاً إجبارياً في حل قضيته حلاً عادلاً.

حين تضاف مفردة ذكرى إلى مفردة النكبة، فإنها تتوجه بكليتها إلى أساس النكبة واتساعها وشموليتها ونتائجها التي ليس لها حدود، فهي تعيش في عقل ووجدان كل فلسطيني، تجعله متعمّداً في الثبات وموغلاً في تمسكه بأرضه وحقوقه.

توازي ذكرى النكبة في سياق رؤيوي من سياقاتها ذاكرة جيل النكبة؛ لأنها كانت علامة فارقة في تاريخ الأمتين العربية والإسلامية عموماً، والشعب الفلسطيني خصوصاً، بما تحتويه من جرائم وتطهير عِرقي وإبادة جماعية طالت البشر والحجر.

إن فكرة تهجير الشعب الفلسطيني وطرده من أرضه متجذرة في الفكر الصهيوني، وكذلك العمل على إقامة كيان على أرض آهلة بسكانها الأصليين، وقد طُرحت الفكرة بأشكال متعددة منذ هرتزل عام 1904، لكنها إزاء المواجهة مع المقاومة الفلسطينية وتحديداً بعد الثورة العربية الكبرى عام 1936 – 1939 راحت تتبلور حول أسلوب العنف المسلح، أي التهجير القسري بالقوة المسلحة، وتكرّس هذا الأسلوب في أذهان القادة الصهاينة بعد مشروع التقسيم الذي قدمته لجنة بيل عام 1937، فإلى جانب طرح فكرة إقامة دولة يهودية في ذلك المشروع، طُرحت أيضاً فكرة ترحيل السكان الفلسطينيين عن المنطقة المخصصة لتلك الدولة المزعومة، والتركيز على استخدام القوة العسكرية في ذلك.

جاءت حرب عام 1948 لتتيح الفرصة أمام القادة الصهاينة للاستيلاء على الجزء الأكبر من أراضي فلسطين بالاحتلال والتهويد، وتفريغ الأراضي من أصحابها بالعنف والطرد المباشر، وقيام القوات الصهيونية قبل أشهر من دخول القوات العربية إلى أرض فلسطين بارتكاب المذابح التي راح ضحيتها أكثر من 800 ألف فلسطيني، فيما تم تهجير ما يقارب 250 ألف فلسطيني بقوة السلاح، وتحت التهديد، وبتسهيل من البريطانيين الذين مهدوا لليهود والصهاينة احتلال أرض فلسطين، وفتح باب الهجرة إليها على مصراعيه، وكذلك قيامهم بتسليم مصانع السلاح والذخيرة للصهاينة، وتدريبهم ودمجهم داخل الجيش البريطاني.

ما حدث من جرائم خلال حرب عام 1948 على أيدي العصابات الصهيونية لم يكن مصادفة، بل كان مخططاً له بدقة متناهية، وعبر مراحل مختلفة، ومن ثم الترويج لأكذوبة أن الفلسطينيين خرجوا من أرضهم وديارهم طوعاً.

لذا لم يكن مستغرباً أن يتم تزوير الحقائق التاريخية؛ لأن الحرب الصهيونية على الشعب الفلسطيني لم تتوقف عند حد المذابح والانتهاكات التي اُرتكبت بحقه، بل تجاوزتها إلى حرب وجودية، وتعمّدها طوال الوقت على طمس التاريخ والهوية الفلسطينية وممارسة الإبادات بكافة أشكالها وأنواعها والتخطيط لها على المدى القريب والبعيد.

لم تكن النكبة حدثاً وحيداً، وإنما مجموعة من المآسي والآلام يستمر انتشارها وحملها من جيل إلى جيل.

وستبقى ذكراها حاضرة في أذهان أبناء الشعب الفلسطيني مثقلة بالأنين والحنين إلى أرض الآباء والأجداد.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد