هذه المدينة بتاريخها وبعمقها الحضاري تتعرض لكارثة إنسانية تاريخية، الموصل وغيرها هي جزء من كل المعاناة اليوم، هي معاناة أهل السنة، من الموصل إلى الأنبار شرقاً، ثم إلى حلب ودمشق غرباً.
هناك مخطط لتحويل هذه المناطق إلى تراب، إلى أرض محروقة، هناك مخطط يسير بطريقة تركيبة تشمل تهديم المدن والبيوت، وتحطيم البنى التحتية والاقتصادية، والجانب التربوي والتعليمي، والجانب الخدمي والصحي، وكأنه يراد لهذه المناطق أن تكون شيئاً آخر.
المنطقة الآن تحرق وتحرث، وربما تهيَّأ لزرع جديد، الله أعلم بهوية هذا الزرع الجديد وطبيعته، فخلال السنوات الماضية لعقد أو يزيد كان التفرد الإيراني واضحاً، كانت إيران متفردة في المشهد، تفعل ما تشاء دون رقيب ولا حسيب، ولا أي رد فعل على أقل تقدير.
داعش التي هي أداة من أدوات المشروع الإيراني بلا شك اليوم تتراجع في مناطق كثيرة، بغض النظر عمن يستفيد من هذا التراجع، لكن تراجع داعش وغيرها بالنسبة لنا هو لا يقل أهمية عن تراجع الميليشيات.
السؤال المهم الآن: مَن الذي يجوع الموصل ويقتل المدنيين ويعبث بأهلها؟ لهذا السؤال إجابة ذات شقين:
أولاً: الموضوع مركب ومعقد إلى حد كبير بلا شك، فالحكومة بوصفها القانوني المسؤول الأول عن كل شيء يحدث في المدينة، سواء كان من الميليشيات أو داعش أو غيرها، أو من أي جهة أخرى، فما يحصل تتحمله الحكومة بالدرجة الأولى.
ثانياً: أن هناك معلومات واضحة بأن الحكومة هي من سهَّلت وصول داعش إلى المدينة، وهذا أمر يكاد يتفق عليه كل المراقبين، خاصة من الداخل، بحيث إن هناك خارطة مرسومة لتحرك هذه الجماعة لن تمر مثلاً بمناطق أخرى، وكل الذين هم في الداخل يعرفون هذه الحقيقة، فكان ممكناً لداعش أن تحرج الحكومة وتحرج الإيرانيين لو أنها تقدمت خطوات باتجاه الحدود الإيرانية.
طبعاً نحن لا نريد لهذه الجماعة أن تتمدد في أي منطقة، لكن ما يدل على كلامي أن داعش وغيرها تتحرك ضمن "الرشمة" الإيرانية، إنها لن تتوسع إلا في المدن والمناطق السنية، وهي التي حولت المدن السنية إلى ساحة حرب، والنتيجة واضحة في العراق مثلاً هناك مدن بقيت سالمة لم تتعرض إلى أي أذى من هذه الجماعة، لم تدخل في حرب، بينما المدن السنية كلها أصبحت خراباً.
فيما يتعلق بدور الأهالي في كل هذه المناطق، فالكثير يتساءل: أين هؤلاء؟ أين ذهبوا وتركوا مناطقهم؟ هذه مفارقة ينبغي أن ننتبه لها، قبل دخول "داعش" إلى هذه المدينة أو المدن الأخرى كان هناك حراك، وكان المئات يعتصمون في الساحات والمناطق العامة، بدخول هذه الجماعة انتهى هذا الشيء، يعني لا يستطيع أحد أن يقدم أي صورة لأهل السنة إلا الصورة التي تراد لها من خلال صورة "داعش".
هناك ملاحظات كبيرة وخطيرة جداً، نعم لدينا ملاحظات كثيرة على سلوك بعض مثقفي المدينة القبائل والمدنيين، لكن القوة التي تقاتل "داعش" في هذه المدن السنية هي هذه القبائل، ومن معها، ما هو المطلوب؟ المطلوب أن هذه القبائل أمام خيارين إما أن نتمسك بملاحظاتنا على هذه العشائر ومن معهم ومن ثم نترك ثغرة للشيطان، ونجعل هذه العشائر التي وقفت بوجه "داعش" لا تلتفت إلا لجهات أخرى، وممكن أن تستغل هذه الجهات هذه الثغرة، أو يكون للعرب موقف آخر.
أن يدخل العرب ليوطدوا علاقتهم بأهل السنة ويحاولوا ترشيدهم إذا كانت هناك أخطاء، وإذا كانت هناك تجاوزات، أنا لا أعتقد أن هناك صعوبة بالموضوع، لو كانت هناك رغبة في التدخل، فالأمر سهل، والتدخل لا يقتصر على التدخل العسكري فقط، وإنما تتم لملمة البيت السني الداخلي في دعوة لعلماء الدين والناس الموثوقين والاتفاق معهم على مشروع سني، ويمكن دعوة هؤلاء إلى أي مكان واللقاء بهم.
القضية ليست مصلحة أهل السنة في داخل العراق، فالمشكلة التي نعاني منها أن إيران تتحرك بمشروع طائفة عابرة للحدود، عابرة للأقطار، ونحن حتى الآن نتحرك بمنطق القطرية، العراق واليمن وسوريا تتحرك بمنطق القطرية، العراق يتحرك بمنطق العراق، واليمن تتحرك بمنطق اليمن، وسوريا كذلك.
نحن بحاجة إلى أن نقف أمام المشروع الطائفي العابر للحدود والأقطار بمشروع شامل، نحن نستطيع ذلك، وهذا هو الموقف الشرعي (وأن هذه أمتكم أمة واحدة)، نحن لا نعرف ما الذي يحول حتى الآن بين تواصل أهل السنة والجماعة في كل العالم الإسلامي؟
كانت هناك بشائر خير فيما حصل في "عاصفة الحزم"، وما حصل في "رعد الشمال" اتفاق عربي – إسلامي واضح، نأمل كثيراً أن يكون أثره واضحاً، هناك بصيص من الأمل، أهل السنة اليوم في العراق رغم الجراح رغم الجوع ورغم الضر فإنهم يشعرون بأنهم قادرون على أن يتواصلوا مع عمقهم الطبيعي، وعمقهم الديني والعربي، ويشعروا بأنهم قادرون على أن يفعلوا شيئاً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.