أحبك يا أردوغان.. ولكن

أوَليس من حقي أن أتخوف من الإصلاحات الدستورية القادمة بتركيا؟ فالتشابه بدساتيرنا العربية قائم، حتى ولو القليل منه، فالإصلاحات المزمعة تخيفني وتستحضرني مشاهد وكوابيس من عالمنا العربي، أرجو أن تكون أوهاماً وسراباً كالذي نراه في صحرائنا العربية

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/21 الساعة 02:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/21 الساعة 02:39 بتوقيت غرينتش

لا أُبالي حين القول "ولكن"، فقد آن الأوان أن نكشف عن سواعدنا، وأن نحمي ما تمَّ من قِبل مَن نحب.

فتركيا أنموذج قطع مقدمة الطريق ولا يزال الجزء الأطول بانتظاره، وربما الأصعب والأخطر، ولعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صاحب الامتياز وقائد الإنجازات والمشاريع المثيرة للإعجاب هو ذاك المسؤول الأول الذي يقع على عاتقه أن يحمي المنجزات التركية على الصعيد المحلي، والإقليمي والعالمي، فأردوغان ظل على مدى العشرات من السنين يتسيد المشهد التركي أينما حل وبأي منصب كان، فكان رئيساً لبلدية إسطنبول ورئيساً للحكومة، بعد أن كان مبعداً عن العمل السياسي والجماهيري، ثم رئيساً للجمهورية في قمة الهرم التركي.

وعبر هذه السنين أرسى الطيب أردوغان أسساً للدولة الحديثة والمتطورة وفقاً لرؤيته المتنورة والقائمة على العدالة الاجتماعية، والمستوحى من الطرح الإسلامي السياسي الحديث، ذي القفازات الحريرية في تعامله بمعظم شؤون الدولة والمجتمع.

لا ينكر على الطيب أردوغان مساهمته وبصمات أصابعه بدفع عجلة التقدم التركية، حتى أولئك الذين لا يرون به سوى مصدر للخطر، والمنافس على تسيد المشهد الإقليمي والدولي، أو أولئك الذين يرون بأردوغان محفزاً ودافعاً لمطالب شعبية ستتردد على ألسنة بعض من شعوبنا المشرقية.

ومن هنا يكمن الخطر والتهديد؛ بل هنا ستنكشف أنياب المهددين من أقصى الغرب لأقصى مشارق الأرض، فالنموذج التركي إن هو إلا حافز وأفق تترقبه الشعوب العربية والإسلامية، وترنو إليه حالمة بالخلاص من المشاهد الحالية، بدءاً بالأنظمة الشمولية، وانتهاءً بالفوضى الخلاقة، التي تعايشها بعض من بلداننا العربية.

أما الجانب الغربي من الكرة الأرضية فيرى النموذج الأردوغاني الحالي طريقاً سيعود ببلدانهم وشعوبهم إلى قرون مضت، ونزولاً من قمة هرمهم العاجي إلى مكانهم الطبيعي والمستحق، وبهذا كان تحالف الشر، جامعاً بين كفيه الملطختين بالدماء، غرباً تحكمه الأنانية، ويلتحف الإنسانية كغطاء وكتمويه مفضوح ومكشوف، ومشرقاً يحكمه قتلة ومرضى نفسيون متوهمون، يعتاشون على أكاذيب وأساطير لا مكان لها في عصرنا الحالي، من الذي جمع مشرقنا البائس هذا بمغربهم الكاذب ذاك؟
.. إنها "الفضيلة التركية".

لعل سطوري هذه ستبعث النشوة والسرور في قلوب محبي ومؤيدي الرئيس التركي الطيب أردوغان، رغم أنني بتلك السطور أردت أن أورد مشهداً مختصراً لما يجول ويدور من حولنا وفي مشرقنا العربي والإسلامي، واستكمالاً للمشهد الذي نعايشه، لا بد لنا من إظهار التحديات والمصاعب المتربصة بالنموذج التركي وما يواجهه من تحديات.

وعليه بعد ظهور تحالف الشر، ازدادت المسؤوليات التي تقع على أكتاف الرئيس التركي، وأضحت أضعافاً مضاعفة؛ حيث المخاطر أصبحت تتهدد التراب التركي وكل منجزاته وبشكل جلي لا لبس فيه، محاولةً إحباط وإفشال هذا النموذج الذي أضحى حلماً رطباً لقطاعات واسعة من شعوبنا العربية والإسلامية قاطبة، ومن أجل إنجاح النموذج التركي ومقاومة محاولات التثبيط والتهديم، كان لا بد للرئيس التركي أن يتوقف لبرهة من الزمن ويعيد ترتيب أوراقه، وأن يجيب عن تساؤلات لا مناص منها، فهل الحماس الشعبي تجاه الرئيس التركي سيؤدي به إلى أن يصبح الحاكم الأوحد؟ وهل هذا ما يريده ويوده معجبو النموذج التركي؟
هل حقاً بناء أمة عظيمة بعد انتكاسة عظيمة سيكون خلال بضع سنين؟ ومن ثم تستوي السفينة على الجودي؟
ما مصير النموذج التركي بعد رحيل الرئيس أردوغان؟ هل ستعود الدولة التركية للمربع الأول؟

حبي لك يا أردوغان، ولكن هل جهزت وأسست لأردوغان المستقبل؟ كيف ستبدو الأراضي التركية من بعدك؟ هل تركيا المستقبل مستمرة من حيث وصلت، أم أننا بحاجة لإعادة الكَرة مرة أخرى، والعودة لدور الحمال المرافق للمغامرين والمتسلقين من ممالك الغرب وأذرعها القوية؟
ألم يحِن الوقت لطرح الأسئلة المحرجة؟ هل الاستمرارية بمشروع الإنماء والتطور يتعلق بشخص الرئيس أم أنه مبني على مؤسسات لا تأبه بتغيير الرئيس أو أعضاء برلمانه؟

فلنعترف بأن محاولة الانقلاب الأخيرة أظهرت مدى هشاشة المؤسسات التركية القائمة على الديمقراطية، أمام مؤامرات غربية تمتلك التأثير على أكبر وأهم المؤسسات التركية ألا وهي الجيش، مما منحني الحق في التخوف من مؤامرة أخرى، جديدة ومتكررة، ستقطف ثمار الإصلاحات الدستورية وتستغلها لصالح أحد جنرالاتها، تماماً كبلداننا العربية، فمصر أكبر مثال على ذلك.

كيف لنا بالنوم قريري الأعين أمام جحافل المتربصين من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب؟ هل كُتب على الأتراك أن يهنأوا بحرية وعدالة لوقت معلوم ومن ثم العودة للخلف والبدء من جديد؟

أوَليس من حقي أن أتخوف من الإصلاحات الدستورية القادمة بتركيا؟ فالتشابه بدساتيرنا العربية قائم، حتى ولو القليل منه، فالإصلاحات المزمعة تخيفني وتستحضرني مشاهد وكوابيس من عالمنا العربي، أرجو أن تكون أوهاماً وسراباً كالذي نراه في صحرائنا العربية.

نعم.. لا نود أن يتذكرنا الجيل القادم ويتندر بأيامنا هذه، كما يتندر الشعب التركي بأيام السلاطين والفاتحين؛ بل وجب وكان لزاماً على أردوغان ومن حوله أن يؤسسوا لجيل يتذكرونه، ويتذكرون مَن حوله كمؤسسين لنهضة مستمرة، وشلال متدفق من القادة ورجال دولة يعملون لإرساء مراكب الأسطول التركي بدقة وأمان.

لا أعارض الإصلاحات الدستورية التركية إلا أنني مصاب بأمراض نفسية، وأولها الرهاب "الفوبيا"، وبكل ما يتعلق بتغيير الدساتير والقوانين في شرق أوسطنا الكبير.

لعل الحرص الشديد والرهاب الذي يعانيه أبناء منطقتنا دفع بنا إلى التخوف من الغرب المتربص بنا، والإصلاحات الأردوغانية معاً.
أحبك يا أردوغان، ولكن "ومن الحب ما قتل".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد