تركيا بين الرئاسي والبرلماني: أيهما أفضل؟

حزب العدالة والتنمية لا يملك سوى 316 عضواً، ولكن التغيير المفاجئ حدث عندما أعلن حزب الحركة القومية المعارض تأييده للانتقال للنظام الرئاسي وقدم الحزبان حزمة التعديلات للبرلمان وصوَّتا عليها، بذلك تكون المعركة الدستورية قد خرجت من ساحات البرلمان والقصر الرئاسي إلى الشارع التركي.

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/19 الساعة 00:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/19 الساعة 00:55 بتوقيت غرينتش

في 2 فبراير/شباط أرسل البرلمان التركي حقبة التعديلات الدستورية للرئيس التركي أردوغان، الذي قام بالموافقة والتوقيع عليها في 8 فبراير.

المادة 175 من الدستور الحالي تنص على أنه لكي يستطيع البرلمان طرح التعديلات للاستفتاء العام لا بد من الحصول على 330 صوتاً.

حزب العدالة والتنمية لا يملك سوى 316 عضواً، ولكن التغيير المفاجئ حدث عندما أعلن حزب الحركة القومية المعارض تأييده للانتقال للنظام الرئاسي وقدم الحزبان حزمة التعديلات للبرلمان وصوَّتا عليها، بذلك تكون المعركة الدستورية قد خرجت من ساحات البرلمان والقصر الرئاسي إلى الشارع التركي.
في 16 أبريل/نيسان قال الشعب التركي كلمته، وحددت الأغلبية مصير هذه التعديلات.

هناك ثلاثة أنظمة حكم مختلفة في الدول الديمقراطية حول العالم هي:

1- البرلماني: وهو النظام الذي يقوم على الموازنة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية؛ حيث يقوم الشعب بانتخاب البرلمان، والبرلمان يختار الحكومة، وتكون الحكومة مسؤولة أمام البرلمان الذي يحق له حلها بنزع الثقة منها، ومثاله: بريطانيا.

2- الرئاسي: وهو نظام قائم على فصل أكثر بين السلطات الثلاث؛ حيث يركز السلطة التنفيذية في يد الرئيس الذي ينتخب بالاقتراع العام المباشر، فيجمع بين رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة المنبثقة عنها وتكون الحكومة مسؤولة أمامه هو وليست أمام البرلمان، ومثاله: أميركا.

3- شبه الرئاسي أو المختلط: وهذا يجمع بين النظامين السابقين؛ حيث ينتخب الرئيس بالاقتراع العام المباشر ويتمتع بقدر من الصلاحيات، وفي نفس الوقت تكون هناك حكومة منبثقة عن البرلمان ولها رئيس يتمتع بصلاحيات أخرى، وتكون الحكومة مسؤولة أمام كل من البرلمان والرئيس، ومثاله: فرنسا.

هذا باختصار شديد الفرق الأبرز بين هذه الأنظمة، والحقيقة أنه داخل إطار كل نظام توجد اختلافات كثيرة بين دولة وأخرى في مدى الصلاحيات والفصل بين السلطات.

تركيا الآن والتعديلات الدستورية:
دستورا 1961 و1982 اللذان تم فرضهما تحت حكومتي انقلاب عسكري، جعلت من نظام الحكم في تركيا نظاماً برلمانياً، فمع وجود رئيس للدولة إلا أن صلاحياته شبه صورية في مقابل الصلاحيات الواسعة لرئيس الوزراء الذي يتم انتخابه واختيار حكومته عن طريق البرلمان.
مر دستور 1982 بسبع عشرة حزمة من التعديلات، منها ثلاثة استفتاءات شعبية (1987، 2007، 2010). التعديلات الدستورية الحالية (وهي 18 تعديلاً) تسعى إلى تغيير النظام البرلماني إلى رئاسي؛ حيث سيتم من خلالها إلغاء منصب رئيس الوزراء، ونقل صلاحيات السلطة التنفيذية لمنصب الرئيس.

ولأن التعديلات ستجعل من النظام التركي شبيهاً بالنظام الأميركي سنقارن بينهما.

تحت هذه التعديلات سيصبح من حق الرئيس وكذلك من حق ثلاثة أخماس البرلمان حل البرلمان والرئاسة معاً والدعوة لانتخابات مبكرة، الجيد أن الحل سيطال السلطتين معاً، فلا يستطيع الرئيس إسقاط البرلمان والبقاء في السلطة كما لا يستطيع البرلمان الإطاحة بالرئيس دون حل البرلمان، الأمر يختلف في أميركا حيث لا يحق للرئيس حل الكونغرس كما لا يحق للكونغرس حل نفسه أو الرئاسة.

كما في النظام الأميركي، سيحق للرئيس أن يكون عضواً في حزب سياسي وسيحق له كذلك إصدار قرارات رئاسية تشريعية لكنها ستكون في مرتبة أدنى من قوانين البرلمان.

سيصبح من حق الرئيس التركي اختيار وزرائه وحتى نوابه دون الحاجة لموافقة البرلمان، أما في أميركا فلا بد من موافقة مجلس الشيوخ على الوزراء الذين اختارهم الرئيس.

سيصبح من حق البرلمان التركي إذا صوَّت ثلثا الأعضاء إحالة الرئيس للمحكمة العليا لمحاكمته، لكن ليس من حق البرلمان نفسه محاكمة الرئيس، في أميركا يحق لمجلس النواب إصدار لائحة اتهام ضد الرئيس، ثم يتم إرسالها إلى مجلس الشيوخ لمحاكمته وفيما لو صوَّت ثلثا المجلس ضده فإنه تلقائياً يفقد منصبه، هذا الإجراء هو الذي تسبب باستقالة نيكسون قبل أن تتم محاكمته، وكاد يسقط كلاً من جونسون وكلينتون.

ولاية رئيس الدولة ستكون 5 سنوات (4 في أميركا)، ولا يحق للشخص أن يتولى منصب الرئاسة أكثر من دورتين.

تجري الانتخابات العامة والرئاسية في نفس اليوم كل 5 سنوات وستجري الانتخابات المقبلة في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، عدد أعضاء البرلمان التركي سيرتفع من 550 إلى 600، والعمر الأدنى للعضو سينخفض من 25 إلى 18.

من التعديلات المهمة كذلك إلغاء المحاكم العسكرية، بما فيها المحكمة القضائية العليا العسكرية والمحكمة الإدارية العليا العسكرية، وإعطاء القضاء المدني استقلاله الكامل، وحظر إنشاء محاكم عسكرية باستثناء المحاكم التأديبية في أوقات الحرب، والمادة 512 ستعطي القضاء سلطة النظر في قرارات الرئيس.
هذه باختصار أهم التغييرات في التعديلات.

التأييد العاطفي المطلق كما الرفض العاطفي المطلق لهذه التعديلات لأجل شخص المريد للتغيير غير مجد، يجب احترام الآراء الموضوعية ورفض الآراء المتحيزة التي تخالف الحقائق.

من الظريف أن تجد من يستعجل في الدفاع عن التعديلات وأنها خير لتركيا وللشعب التركي، دون أن يعرف ما هي وماذا سيترتب عليها، والأظرف أن تجد من طار فرحاً بمحاولة الانقلاب العسكري في تركيا وتمنى نجاحه، ولا يزال يصفق لأنظمة عسكرية مستبدة في بلاد أخرى، يصبح فجأة من عرافي الديمقراطية المحامين عنها والخائفين على مصيرها في تركيا.

أغلب المنتقدين الموضوعيين للتعديلات يعترفون أنها لا تحوي بحد ذاتها زوال النظام الديمقراطي، لكنهم يتخوفون من دور أردوغان، مع أن التعديلات تنص على أنه لا يحق للشخص أن يتولى منصب الرئاسة أكثر من دورتين، إلا أن هذا لن يبدأ تطبيقه إلا بعد تطبيق التعديلات، مما يعني أنه سيحق لأردوغان الترشح لمنصب الرئاسة في انتخابات 2019 وفيما لو تم ترشيحه لدورتين فإنه سيبقى في الحكم حتى 2029. الخطر الحقيقي يكمن فيما لو كانت هذه مجرد خطوة لزعيم ذي شعبية عالية للبقاء في السلطة أطول مدة حتى لو أدى ذلك إلى تفكيك جميع الضمانات الدستورية، حصل هذا في عدة دول.

لكن الحقيقة أنه من الظلم مقارنة أنظمة مستقرة بأنظمة ليست كذلك، قد يغتفر في أوقات الأزمات ما لا يحتاج له في غيرها، حين كانت أميركا في خضم حالة الكساد الكبير والحرب العالمية الثانية سمح لروزفلت ذي الشعبية العالية أن يقوم بما لم يقم به أحد قبله ولا بعده.

النظام في تركيا ليس مستقراً بحال، وكان ولا يزال مهدداً بالسلطة العسكرية، مؤيدو التغييرات يرون أنها مهمة لاستقرار تركيا، وأنها معركة مفصلية لإسدال الستار على حقبة زمنية طويلة من تاريخ الصراع مع المؤسسة العسكرية التي سيطرت على الحكم ووضعت دولة عميقة أنتجت من خلالها نظاماً لا يعكس حقيقة الشارع التركي.

قد يكون ما يقوم به أردوغان هو إعادة الدولة إلى مسارها الصحيح الذي لا تفرض فيه الأقلية حكمها على الأغلبية بسطوة الحديد والنار وتنفيذاً لإرادات القوى الخارجية.

هذا لا ينفي بحال أن يبقى أردوغان بشراً يخطئ ويصيب، وقد يميل للمزيد من السلطة في المستقبل، الخطر الحقيقي يكمن فيما لو ترتب على هذا التغيير تفكيك جميع الضمانات الدستورية أو كما يقول الأميركيون (checks and balances)، والخطر الأكبر يكمن فيما لو قبل الشعب التركي ذلك.

لكن التعديلات المطروحة قد تكون في صالح الشعب التركي فيما لو تم تفعيلها بوعي وكانت طريقاً للاستقرار وبناء دولة حديثة مستقلة تمثل الشعب التركي مع الإبقاء على (أو إيجاد) الضمانات التي تضمن عدم جمع السلطات كلها في يد شخص يستطيع بدوره تفكيك النظام الديمقراطي في البلاد.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد