كنت اعتدت منذ سنوات طويلة الذهاب لأحد المساجد القريبة من بيتي لأداء صلاة التراويح برمضان.
أتجنب بالطبع الاحتكاك بالسيدات النمامة وأحاول جاهدة – كالفأر الذي يهرب من قطٍ رذيل – أن ألقي التحية والسلام ثم أقوم باختيار أبعد زاوية عنهن جميعاً وأصلي وراء الإمام ومن ثم الهروب من الناس أجمعين بعد الصلاة مباشرة.
كرهت التدخلات بحياتي الإيمانية والأسئلة الخاصة عن كم من القرآن قد قرأت والمداعبة السخيفة عن (ها بقى صايمة ولا فاطرة؟ وريني لسانك)، كدت في مرة أرد على أحدهم قائلة: ألم تكبر على مثل هذه التفاهات؟
مرضت جدتي ولازمت الفراش عندنا بالبيت لعدة شهور متتالية وهَل علينا شهر رمضان المعظم فكنت أجالسها وأتابعها وأسهر معها أقرأ القرآن بجانبها لعلها تصبح بخير، وكانت بطبيعة الحال منذ مرضها يقرر أبي أن تظل عندنا على الأقل كل رمضان، فأسهر معها لألبي طلباتها، انهالت علي الأسئلة والانتقادات في كل مرة تراني فيها سيدة رذيلة عن كيف أترك صلاة التراويح برمضان؟.. ثم نظرات دونية شذراً وبتشكك أن لا بد قد ضعف إيماني فقد (كبرت وخبت).
لم أكن أحب الشرح لكل من تسألني لم تغيبت عن المسجد، فقد أصبح الموضوع مُرهقاً للغاية وخاصةً أن الظروف بالبيت مع مرض جدتي وتألمها كانت حقاً مُتعبة فمن أين ستحتضر طاقة بجانب سماعك لصراخ من تحب متألماً كي تستقبل سخافات البشر؟.. لم تقتصر الأسئلة حول صلاتي بالمسجد برمضان وكم من القرآن قد تيسر لي قراءته، فكانت الأسئلة المستفزة تنال من حجابي، فقد تحجبت في سنٍ صغيرة بإرادتي ولاتخاذي القرار فجأة؛ فلم أكن ألتزم بتغطية كامل ذراعي وكنت في هذا الوقت مازلت طفلة ومع ذلك كانوا يغدقون علي بالأسئلة والانتقادات اللاذعة غير المبررة!
التدخل في حياة الآخرين وفضول الناس تجاه بعضهم الأهم أمر يزعج الجميع ومع ذلك يمارسه الجميع!..ولكن عندما يمس الأمور الدينية يصبح أكثر حساسية، وعلى الرغم من قدسية العلاقة بين الإنسان وربه إلا أن السخف زاد ربما مع سيطرة جماعات إسلامية بعينها على المساجد، وخاصة مساجد الجامعات، وهذا ما سأسرده في مرة أخرى.
كبرت وعرفت أن مجتمعنا المتدين ظاهرياً بطبعه فرض الوصاية على الغير؛ كي يزيد من الضغوط والكبت تقريباً! أو ربما ما يمارسه الآخر عليك تفعله لا إرادياً مع غيرك!.. فتظل تحاسب هذا وتستخف على ذاك تحت غطاء النصيحة!.. وتحكم على هذه من ثيابها وهذا من صلاته وتنسى نفسك في دوامة الحكم على الآخر.
مع رذالات المحيطين بصلاة التراويح اخترت أن أصلي بالبيت بعيداً عن فضول النساء بوجهٍ عام، أو اختيار مسجد بمكان بعيد عن المنزل، وأتذكر حيرتي مع صديقتي المقربة واتصالاتنا قبل كل رمضان عن (ها حنصلي فين؟)
يزورنا رمضان من العام إلى العام كعابر سبيل يقدر من يحترمه، يغسل همومنا كزخات المطر المفاجئة، كثير منا يشتاق إليه فله روحانية خاصة وربما بعض الطقوس المصرية التي تسعد الجميع وليس فقط المسلمين، ولكن تمر الأيام وألاحظ تصرفات صبيانية متعمدة من البعض فقط للعند في المجتمع وخاصة بهذا الشهر الفضيل، كسبّ الدين بصوت عالٍ، والمجاهرة بالإفطار وشرب الخمور في هذا الشهر تحديداً لاستفزاز الغير ليس إلا.
أُنادي دائماً بالحريات وضد المنع بشكل قاطع ومُحاسبة الآخر على أسلوب حياته برمضان وغير رمضان فكل إنسان لا جدال في ذلك، بل إنني تعجبت أيضاً من معاقبة البعض للمجاهرة بإفطارهم برمضان وكأنهم يعاملوننا كالأطفال!.حتى إننا وأخي كنا مرضى وبنفس الوقت على سفر برمضان الماضي وقال مازحاً: هل تظنين لو بادرنا بالإفطار سيتم القبض علينا؟… ولكن أن تقوم بفعل معين من أجل استفزاز المجتمع ليس إلا فهو فعل صبياني لا يدل على نضجك أبداً.
ففي الآونة الأخيرة هناك من يدعو لأفعال بعينها ليس لأنه يريد فعلها ولكن فقط لإغضاب العامة، وكأن مثلًا الإفطار برمضان يحتاج للتجمع أو التجمهر! أو ترك جميع شهور السنة والمداومة على تصوير وجبة الغذاء والخمور ووضعها على الفيسبوك بنهار رمضان استفزازاً للغير سيصلح أفكار الناس في الحكم على الآخر. كمن عاقب طفلاً بحرمانه من لعبة ما فجاء بها ليلعب بها أمامه!
ولكن دعونا نناقش سبب تلك الأفعال المُراهقية بصراحة، فمراقبة الناس بعضها البعض وخاصة في الأمور الدينية كما ذكرت سلفاً هي أهم الأسباب فيما نرى هذه الأيام من تمرد على كل شيء فرضه المجتمع اتفقت أو اختلفت معه؛ فالطبيعي عندما تصدر على البعض أحكاماً بالكفر والفجر والعيب طوال الوقت وتحاسبهم وتملي عليهم تصرفاتهم وتعاملهم كالأطفال ستجد منهم من يتصرف فعلا كالأطفال، ولكن محاربة الخطأ لا تكون بالعند الطفولي، والاتزان لا يكون بعمل كل ما يرفضه المجتمع فقط من أجل التمرد والعند، ولكن في اختيار ما يناسب قناعاتي دون تعمد استفزاز الناس.
لما فرضنا الوصاية كانت النتيجة بمرور الزمن عكسية، كمن عامل بناته بجفاء وكبتهن ظناً منه أن هذا لمصلحتهن فتفاجأ بممارستهن أفعالاً مشينة، لما فرضنا الوصاية وتدخلنا فيما لا يعنينا ظلمنا بعضنا البعض حتى أصبحنا في طريق مسدود لفقد هويتنا التي تعبر عنا فأخاف أن نصبح يوماً أضحوكة الأمم كمن رقصت على السلالم!.. لن نصبح مثل الغرب، ولن نشبه أيضاً العرب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.