بعد تفجيرين في كنيستين في مصر هذا الأسبوع، كان من المنطقي أن يتجه الإعلام بالحديث عن التقصير والفشل الأمني الذي يتكرر في أكثر من مكان، وأكثر من مرة، وبنفس الطريقة، حتى تشابهت أحداث التفجيرات التي يقوم بها تنظيم (داعش) وغيره سواء في تفجير الكنائس، أو في الكمائن في العريش وغيرها، ولم يعد ينقص الذين يقومون بالعمليات سوى إرسال رسالة لوزارة الداخلية والقوات المسلحة المصرية بموعد التفجير! ومع ذلك انتقل الحديث من فشل السيسي وداخليته، ليتحول بقدرة قادر لهجوم على الأزهر، واتهام المؤسسة الأزهرية بالتقصير، وكأنها هي التي قامت بتنفيذه، أو ساهمت فيه! رغم أن كل الإحصاءات تخبرنا أنه لا يوجد عمل إرهابي، أو تفجير تم في مصر، وثبت أن المنفذ له، أو المخطط لا ينتمي للأزهر، ولم يدرس فيه، ولم يمر عليه، وهذه حقيقة لا يتطرق إليها شك.
وتعجب الكثيرون عن التوقيت، والسبب، ولماذا هذه الحملة الآن على الأزهر؟ ومن يقرأ في تاريخ الأزهر والعسكر، لا يتعجب منه، بل يتوقعه، فصدام العسكر مع الأزهر مسألة وقت وأدوار ليس إلا، فحكم العسكر بطبعه لا يحب مؤسسة ولا كيانا له شعبية بين الشعب سواه، وبخاصة الكيانات المدنية، يقول الرئيس محمد نجيب في مذكراته (كنت رئيسا لمصر): إن من أراد أن يتمكن من حكم مصر، فعليه امتلاك زمام مؤسستين: الجيش، والأزهر. وعندما قام انقلاب الجيش في يوليو 1952م، كان أمامه ثلاث قوى مدنية ذات شعبية مختلفة، وكان على حكم العسكر حتى يستقر أن يتخلص منها، لكن من الصعب إعلان الحرب عليها مرة واحدة فتتحد معا ضده، هذه القوى هي: الوفد (ذو الشعبية السياسية الكبرى)، والإخوان (ذو الشعبية الدينية في الشارع)، والأزهر بقوته الشعبية الدينية كمؤسسة مصريا وعالميا.
بدأ العسكر، بالتحالف مع الإخوان والأزهر، لإقصاء الوفد من الحياة السياسية، وذلك بإلغاء الأحزاب، ووقتها فرحت جموع الإخوان، إلا رجل واحد كان محنكا حكيما، رفض القرار ورآه مرحلة للقضاء على القوى المدنية يتبعها القضاء على الإخوان، كان الرجل الذي رفض هو المستشار حسن الهضيبي مرشد الإخوان الثاني، فقد رفض حل الأحزاب، والمحاكمات العسكرية للمدنيين، ورأى أن القبول بذلك سيأتي الدور على الإخوان ويحلون، ويحاكمون عسكريا، ولا يملكون وقتها الاحتجاج، فقد قبلوا أن يمارس ذلك مع غيرهم، وهو ما حدث، غُلب الرجل على رأيه ممن حوله، ثم بعد ذلك تخلص العسكر من الإخوان، بأحداث المنشية في سنة 1954م في الأحداث المعروفة.
وجاء دور الأزهر، سنة 1956م، وكانت البداية بإلغاء المحاكم الشرعية، بحيلة غريبة، تشبه ما يحدث الآن مع الأزهر تماما، ودققوا فيما فعله العسكر، فجأة خرجت الصحف المصرية، بحادثة غريبة، نشرت فيه على غير عادة الصحافة المصرية، قصة ذهاب امرأتين إلى قاضيين شرعيين هما: الشيخ عبد الرحمن سيف، وعبد الفتاح فيل، واتهما بأن المرأتين ذهبتا إليهما ليطلقاهما من زوجيهما، فعرضا عليهما الزنا بهما مقابل الطلاق، وأنه تم ضبط القاضيين مع المرأتين، وبحوزتهم خمور وحشيش وخلافه، ونشرت صور القاضيين والمرأتين، ثم بعدها مباشرة والقضية أمام المحكمة تعرض، صدر قرار من عبد الناصر بإلغاء المحاكم الشرعية، وإذ بطه حسين يكتب مقالا من فرنسا، عنوانه: هذه الأولى فأين الثانية؟! يقصد إغلاق الأزهر نفسه، وهاج الأزهريون على طلبه. ولكنهم سكتوا على مرحلة إغلاق المحاكم الشرعية.
والعجيب أن القضية انتهت بتبرئة القاضيين، وذلك لسبب بسيط، أن القاضيين ثبت أنهما يعانيان من عجز جنسي يمنعهما من الجماع تماما، وقد أخلي سبيل المرأتين منذ أول القضية، بعلة أنهما غرر بهما!
ودارت الدائرة وجاءت ثورة يناير، ونفس القوى موجودة لكن بشكل آخر، فبدأ العسكر هذه المرة بالإخوان لأنهم القوى السياسية المدنية، ثم ثنى بالقوى المدنية الرافضة للانقلاب والتي قامت بثورة يناير، ثم أخيرا الأزهر، فهو كأس دائر على الجميع أن يتعظ به من تعامله مع العسكر، يتكرر الموقف، ويختلف الوجه والدور.
الراصد لعلاقة العسكر مع الأزهر، سيجد العسكر لا يترك فرصة لإضعاف الأزهر كمؤسسة فاعلة، إلا وقام بها، فقد صادر أهم مصدر لقوته وهو الأوقاف، وأعاد أوقاف المسيحيين، ولم يرد أوقاف المسلمين للأزهر، وجعل مكانة شيخ الأزهر أقل من مرتبة وزير الأوقاف، والأهم في علاقة العسكر بالأزهر: أنه ما من شيخ أزهري مالأ العسكر، ونافق حكمه، أو تعاون معهم فيما يخالف رسالته، إلا ومارسوا معه كل وسائل الإذلال والمهانة، بعد انتهاء مهمته معهم، لا يتسع المقام لذكر مواقف هؤلاء المشايخ، لكنها بدأت بأحمد حسن الباقوري وعبد الرحمن تاج، ولن تنتهي بأحمد الطيب يقينا، وليس وقوفنا الآن مع الأزهر كمؤسسة إلا دفاعا عنها وعن مبدأ، لا عن أشخاص.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.