لماذا "نعم" للتعديلات الدستورية؟
من أهم الأسئلة التي أجاب عنها مركز التنسيق والانتخاب في "العدالة والتنمية"، والتي تثير الجدل في ذهن المواطن التركي حول التعديلات الدستورية والنظام الرئاسي، السؤال الآتي: "لماذا نقول (نعم)"؟
وجواب مركز التنسيق هو: "ليكون الشعب التركي هو صاحب الرأي والقرار، ومن أجل شعب ودولة أقوى، وللتخلص من الوصاية، ولينتهي عهد الأزمات والفوضى، وزيادة فرص العمل وحماية الحريات، ومن أجل صنع قرارات أسرع وأكثر فاعلية، دون إضاعة الفرص التي تعرض أمام تركيا".
فكرة النظام الرئاسي ليست بدعة أردوغانية
لقد حاول حزب العدالة والتنمية، وخصوصاً زعيمه رجب طيب أردوغان، في عدة مرات، أن يقنع زعماء الحزب وكوادره بأهمية النظام الرئاسي في الحفاظ على وحدة واستقلال الجمهورية التركية، ودوره في التخفيف من الإجراءات البيروقراطية، والحد من سلطة حكم الأوليغارشية، وتجنُّب الزلازل السياسية التي تخلفها الانتخابات البرلمانية بالنظام البرلماني.
صحيح أن الرئيس التركي، طيب أردوغان، ليس الأول أو الوحيد الذي دعا إلى الانتقال إلى النظام الرئاسي وروج له؛ بل له سلف في ذلك منهم: الرئيس التركي الثامن "تورغوت أوزال"، والرئيس التركي التاسع "سليمان ديميرال"، ورئيس الوزراء التركي "نجم الدين أربكان"، وكلهم أجمعوا على أن النظام البرلماني الحالي غير صالح لتركيا في وقته، فما بالك اليوم وتركيا خطت خطوات هامة في مسار النهضة والتقدم ومحاولتها الكبيرة للالتحاق بصف الدولة الصناعية المتقدمة.
قال الرئيس التركي"تورغوت أوزال": "أنا أقول إن النظام الرئاسي أفضل، ولا أطالب بنظام رئاسي على غرار النظام الفرنسي".
وقال الرئيس التركي "سليمان ديميرال: "النظام البرلماني لا يعمل كما هو مطلوب، كنت أود لو أنني أتمكن من تغيير النظام البرلماني واستبداله بالرئاسي، فالجمهورية المنقطعة عن الشعب لا يمكن وصفها بالجمهورية".
أما أستاذ قادة حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء السابق "نجم الدين أربكان"، فقال: "من أجل تحقيق النهضة في تركيا، نرى أنّه من الضروري جلب النظام الرئاسي؛ من أجل السير قدماً وبشكل سريع نحو أهدافنا، يجب أن يكون الدستور مطابقاً للبنية التركية، لتحقيق النهضة المادية والمعنوية التي يسعى إليها الشعب التركي".
فالنظام الرئاسي كان حلم عدة رؤساء وقادة أتراك، وتركيا وقتها كانت تعاني الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وسلسلة من الانقلابات التي أدخلتها نفق التخلف عن ركب الدولة المتقدمة، بعد فترة ذهبية صنعها "شهيد الأذان" عدنان مندريس.
محاولات متعددة تنتظر الفرصة السانحة
ومع وصول "العدالة والتنمية" للسلطة عام 2002، وصنعه فترة ذهبية أخرى شملت ميادين كثيرة ومتنوعة، أوصلت تركيا إلى مجموعة العشرين، خلعت تركيا بسببها لباس "الدولة الوظيفية"، محاولةً استرجاع دورها القيادي والحضاري الذي قامت عليه وبه منذ قرون.
ولعدم اقتناع فئات مهمة من حزب العدالة والتنمية، وكذلك قسم كبير من الشعب التركي، بأهمية مشروع النظام الرئاسي، ولظروف إقليمية وعالمية لم ولن تكون متسامحة مع هذا المشروع، وخصوصاً بعد المؤشر السلبي الذي ظهر جراء انتخابات 7 يونيو/حزيران 2015، التي لم يتمكن الحزب من الحصول فيها على أغلبية مطلقة- كانت الدعاية لمشروع النظام الرئاسي أحد الأسباب المؤثرة في ذلك، تم تأجيل عرض مشروع النظام الرئاسي والدعاية له إلى وقت مناسب.
فكانت المحاولة الانقلابية الفاشلة يوم 15 يوليو/تموز 2016، ووقوف الشعب التركي مع السلطة الشرعية والحكومة المنتخبة ضد الانقلابيين، والأحداث التي تبعتها، هدية السماء والفرصة التاريخية، التي كان انتظرها الرئيس التركي طيب أردوغان ومن يوافقه الرأي من زعماء "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية"؛ من أجل التسريع في عرض مشروع دستور جديد بنظام رئاسي، يحمى الجمهورية التركية من مصادرة القرار التركي وفرض وصاية غربية بدعم داخلي على الشعب التركي ومقدراته.
ونجح قادة "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" في عرض مشروعهم على البرلمان ثم على الاستفتاء الشعبي في أبريل/نيسان الحالي.
فتخطى مشروع الدستور الجديد عقبة المعارضة الداخلية، سواء داخل "العدالة والتنمية" والمعارضة التركية والمجتمع التركي، ليواجه عقبة خارجية خطيرة، تمثلت في التدخل السافر للاتحاد الأوروبي في الشؤون الداخلية التركية، والإجراءات غير الالديمقراطية التي اتخذتها ألمانيا وهولندا وسويسرا والنمسا؛ من أجل إجهاض هذا المشروع والقضاء عليه.
فوقوف أوروبا غير المشروط مع حملة "لا" ضد التعديلات الدستورية، ودعم المعارضين لهذه التعديلات بأراضيها، ومنع حملات "نعم"، ونشر كل ما ينفر الناخب التركي الأوروبي من التصويت لها، وتهديد كل من يصوت بـ"نعم" بأنه سيواجه صعوبات في حال فازت حملة "نعم" في استفتاء أبريل الحالي- كانت انحيازاً واضحاً ضد التعديلات الدستورية والنظام الرئاسي خاصة، ولإدراك الساسة الأوروبيين أن تحكُّمهم في القرار السياسي التركي زمن ولى عهده، وتركيا ما بعد 16 ستكون خارج سيطرة الاتحاد الأوروبي ومن يدور في فلكه.
مشروع أتاتورك هو مشروع أوروبي لم يخدم أبداً مصالح تركيا والأتراك
لقد لُخصت المعارضة الأوروبية -التي كانت أشرس من المعارضة التركية نفسها- الصريحة للنظام الرئاسي خصوصاً وللتعديلات الدستورية عموماً، في مقال منحاز وغير موضوعي على صحيفة "بيلد" الألمانية، خلاصته أن "مصطفى كمال أتاتورك" لو كان على قيد الحياة لصوّت على الاستفتاء بـ"لا".
فكأن صحيفة "بليد"، بهذا المقال، بينت نوع العلاقة وحال ألمانيا وأوروبا والغرب عموماً مع الجمهورية التركية لأكثر من 90 عاماً، كانت فيها تركيا الخادم المطيع، وأوروبا الآمر السيد، هذه المعادلة غير المتوازنة، خدمت مصالح الغرب ما يقارب قرناً من الزمان.
صحيفة "بيلد" الألمانية تعترف بأن مشروع "مصطفى كمال أتاتورك" مشروع أوروبي كبُر تحت عينيه وبرعايته ودعمه وحمايته. أما مشروع "أردوغان والعدالة والتنمية" ومن سبقه ممن ذكرنا، فهو مشروع تمرد وخروج على الوصاية الصليبية الغربية، لذا رفعوا "لا" أمامه وسعوا بكل قواهم من أجل إفشاله، وتزوير غايته وأهدافه التي ستحمي تركيا وتقوي شوكتها، وتزيد من سرعة نهضتها وإنجاز مشاريعها التنموية الكبرى التي ستضعها في مصافّ الدول المتقدمة، منافسة من أقصر على نفسه الديمقراطية والتقدم والتطور والقوة والنفوذ، وحرم الباقي بدعمه مثل هذه المشاريع الفاشلة الخبيثة كمشروع من زعموا أنه سيصوت بـ"لا" لوكان حياً.
وكأني بالأتراك يوم 16 أبريل/نسيان الحالي سيواصلون مسيرة الاستقلال الثانية -بعد إفشال المحاولة الانقلابية الخامسة- بتصويتهم لحملة "نعم"، وسيحمُون التعديلات الدستورية وجوهرتها "النظام الرئاسي" من تطرف أعداء تركيا القدامى الجدد ولسان حالهم يقول: "لوكان ديميرال وأوزال وأربكان وتوركيش أحياء لصوتوا بـ(نعم)".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.