تلقّى الإسلاميون السياسيون في الصومال، وفي مُقدمتهم المحسوبون على التيارات الإسلامية من الإخوان والسّلفيين بصفة عامة، من التشكيلة الوزارية -التي أعلنها رئيس الوزراء الصومالي الجديد "حسن علي خيري" مؤخراً ونالت ثقة البرلمان الأسبوع الماضي- خيبة أمل في مسلسل تاريخ سياستهم الحديثة بعد أن حصدوا نتائج لا ترتقي إلى مستوى توقُّعاتهم، ليست فحسب بالعدد الضئيل الذي حصلوا عليه، وإنما أيضاً بمدى مصداقية الانتماء الفكري لهؤلاء الذين ظهرت أسماؤهم في قائمة التشكيلة الأخيرة لهم.
ووفقاً للتشكيلة الوزارية التي تمّ التصديق عليها من قِبل البرلمان الصومالي، فقد كانت مفاجأةً بالنسبة للكثير من الخبراء والمحللين، حيث خرجت التكهنات إلى تأكيد تراجع التيارات الإسلامية فيها مقارنة بنظيراتها السابقة، ولم يتمّ إدراجها بشخصيات ذات خلفيات إسلامية أو مرتبطة بالإسلام السياسي بشكل مباشر.
كما أنهم لم يحصلوا من الحقائب الوزارية المُكوّنة من 26 ونوابهم، إضافة إلى 15 وزير دولة، إلّا على عدة وزراء، معظمهم غير مؤثرين أو غير معروفين بانتمائهم الفكري للتيارات الإسلامية بالدرجة الأولى، ما أثار شكوكاً واسعة بين الإسلاميين المحسوبين على التيارات الإسلامية، حيث اعتبروها انقلاباً صامتاً على النمط الذي اتبعته البلاد في السنوات الماضية والتي كان للإسلاميين فيها وجود ملحوظ في السياسة الصومالية منذ 2009م.
وعكس ذلك، برز في قائمة التشكيلة الوزارية أسماء بارزة من تنظيم أهل السنة والجماعة المُسلّح والمسيطر على مناطق شاسعة من وسط البلاد، بمن فيهم النائب السابق خليف عبد القادر معلم نور الذي تمّ تعيينه وزيراً الدولة للقصر الرئاسي، ما يعنى أن الحكومة الصومالية تسعى إلى خوض المصالحة الوطنية مع هذا التنظيم المناوئ للتيارات ذات مشروع "الإسلام السياسي" في الصومال، الأمر الذي دفع التنظيم إلى تغيير موقفه نحو الاستعداد لخوض مفاوضات مع إدارة جلمدغ التي سبق أن رفضها منذ تأسيسها في عام 2015م، ذلك التنظيم الذي بات يُهدّد الحكومات السابقة وبعض الإدارات الفيدرالية في البلاد.
وتحمل الحكومة الصومالية الجديدة لقب حكومة تكنوقراط وباسم حكومة المغتربين الذين لهم نصيب الأسد بحكم أن الرئيس محمد عبد الله فرماجو ورئيس الوزراء حسن علي خيري من ضمن المغتربين، فيما نجحت الفئة النسوية لأول مرة في تاريخ البلاد في الحصول على 5 وزارات؛ ما يجعلهن أكثر حظاً من الإسلاميين في إحراز الحقائب الوزارية الحالية.
التشكيلة الجديدة للمجلس التنفيذى في نسخته الحالية لا تختلف عن سوابقها بكثير سوى تصدُّر الليبراليين والمغتربين وكثرة الحقائب النسائية فيها، وهو ما يُفقد التشكيلة قدرتها على حلحلة الكثير من الأزمات وحسم الملفات ذات الأهمية المجتمعية الكبيرة؛ ما دفع البعض الي التشكيك في قدرتهم علي إحداث أي تغيير في المشهد العام.
المحللون والخبراء رجحوا أن تراجع التيار الإسلامي في ظهور قائمة الوزراء الحاليين يعود إلى فشلهم في تحقيق طموحات وأحلام الصوماليين، وكذا الانشقاق الداخلي الذي رافقهم منذ فوزهم الكاسح في سيطرة الحكومات طوال فترتي رئاسة شيخ شريف وحسن شيخ محمود السابقتين.
وكان من بين الإسلاميين الذين خابت آمالهم في التشكيلة الحالية، نواب جُدد انضموا إلى البرلمان في الفترة الحالية، ونواب سياسيون ينتمون إلى حزب "دلجر" المحالف للرئيس الحالي محمد عبدالله فرماجو في حملته الرئاسية التي وصل بها إلى سدة الحكم، وجنرالات في الجيش والمخابرات الصومالية، وسياسيون تولّوا حقائب وزارية سابقاً وفي فترة الرئيس حسن شيخ محمود الخاسر في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وآخرون تمّ تعيينهم سابقاً كمحافظ إقليم بنادر الذي يحوي مقديشو العاصمة الصومالية.
وعقب إعلان التشكيلة الجديدة، لم ينجح الإسلاميون السياسيون بمختلف توجهاتهم الفكرية أوالمدرسية، من الإخوان المحليين أو الدوليين والسلفيين بصفة عامة، في التوافق على أرضية مشتركة حول التعامل مع الحكومة الجديدة.
وكرد فعل أوليٍّ، قرّر جزء كبير من الإسلاميين المناوئين سابقاً للرئيس حسن شيخ محمود التحول إلى معارضة الحكومة الحالية والعمل للحيلولة دون منح الثقة لها بالتعاون مع حلفائهم في البرلمان، الحالمين سابقاً بتغيير الرئيس السابق والغاضبين حالياً من التشكيلة الجديدة، التي هي الأخرى استبعدت تماماً إدراج أسمائهم في قائمة الحكومة الجديدة.
لكنهم لم يصمدوا أمام موجات التفكيك التي أحاطتهم من كل الجهات إلى أن أصبحوا فاقدي وحدتهم سريعاً بعد تعرُّضهم للاختراق والتأثير عليهم. مقابل ذلك، تسارع الإسلاميون المُقرّبون إلى الرئيس السابق حسن شيخ محمود، رغم استبعادهم الكامل، إلى العمل لمنح الثقة للحكومة الجديدة، كما استدعوا نوابهم في الخارج للعودة إلى البلاد فوراً؛ لغرض التصويت على التشكيلة الجديدة.
وإلى جانب ذلك، كتب الرئيس السابق، حسن شيخ محمود، مقالاً هادفاً حول هذا الشأن نشره في الصحف المحلية؛ للتضامن مع موقف منح الثقة للحكومة، كما أنشا شبكة تواصل مجموعة "الواتساب" وقدّم فيها تغريدات دعا فيها كتلته النيابية في البرلمان لمنح الثقة للحكومة الصومالية، مُستعطفاً إياهم بأن الظروف المجاعية والأمنية التي تمرُّ بها البلاد لا تسمح بتصعيد سياسي جديد؛ ما أثار تساؤلات حول مدي مصداقيته لتلك النداءات السياسية في وقت كانت وتيرة التكتلات البرلمانية المعارضة للتشكيلة الجديدة متصاعدة نحو الرفض.
ويبدو أن التشكيلة الجديدة بصورتها الحالية، قد تُمهّد الطريق لحدوث طلاق نسبي بين رئيس الوزراء حسن علي خيري المحسوب على صلة وثيقة مع الإسلاميين المنتمين إلى الإخوان وبعض الإسلاميين المعارضين للرئيس السابق حسن شيخ محمود، بعد منح الثقة للحكومة الحالية في الأسبوع الماضي.
وبصفة عامة، فإن طابع سياسة الإسلاميين في الصومال، على الأقل في المرحلة الراهنة، يبدو كأنه غير متصف بالذاتية والاستقلالية، وهم يستخدمون آليات قبلية وأخرى حلفية ومصلحية متنوعة؛ ما قد يُتيح لهم الاصطياد التام في المياه العكرة بصفة غير مباشرة لنيل إثبات وجودهم على الأقل في مسيرة العملية السياسية في الصومال.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ينجح الإسلاميون في الاستفادة من الدروس الملقنة لهم سياسياً، لا سيما أنهم قد مُنِحوا فرصاً ذهبية طوال السنوات الثماني الماضية في الصومال؟ أم أنهم سيعيدون الشريط إلى الوراء؛ ليسجلوا مفاجآت جديدة رغم أن المؤشرات الأولية تعكس تماماً هذا الحلم الذي قد يصبح ميتاً قبل ميلاده؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.