فوق عرباتك المضعضعة يا عراق النفط حملت فقيدي

وأتساءل هل غارات التحالف الدولي الذي تقوده أميركا اليوم جاءت انتقاماً وثأراً لما حدث في لندن قبل أيام؟ أم أنه خطأ فعلي في التصويب ﻻ يقتل إﻻ المدنيين كالعادة؟ أقول مستذكراً ملجأ العامرية ربما.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/30 الساعة 04:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/30 الساعة 04:22 بتوقيت غرينتش

"فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ".

ها هم قوم يونس يجرون ضحاياهم وسط الأمطار وبِرَك المياه تباعاً، أُم تحمل وتقود خمسة أطفال باتت أمنية حياتها تتلخص في دفن ابنتها السادسة التي تركتها خلف ظهرها جثة هامدة، وهي تتوسل كل من تقابله ليذهب فيدفنها هناك، كهل يدفن 27 شخصاً من عائلته دفعة واحدة، 30 شخصاً من عائلة واحدة يدفنون في مقبرة جماعية وﻻع زاء، أب معاق على كرسي المشلولين يفقد ثلاثاً من بناته في يوم واحد، صور قتلى الموصليين وجرحاهم ونازحيهم ملأت نشرات الأخبار ولسان حالهم يردد: "تحت اﻷغطية وفوق عرباتك الخشبية المضعضعة يا عراق النفط ودعت فقيدي، يا قوم يونس ﻻ تحزنوا إنما هي كبوة فارس!

عندما يحمل أحدهم جثمان عزيز على قلبه، قد يكون أباً أو أخاً أو ابناً أو ابنة أو أُماً أو زوجة أو جدة بهذه الطريقة المؤلمة على عربة خشبية متهالكة وسط الأمطار وبِرَك المياه والأوحال إلى اللامكان، بعد أن سار به بضعة كيلومترات هرباً من المعارك الطاحنة لدفنه؛ حيث ﻻ يدري مع تساقط قذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا فوق رأسه، يبكي على عزيزه تارة، يدعو له بالرحمة أخرى، يلعن ويشتم مَن تسبب في هذه الحرب بصورة مباشرة أو غير مباشرة ثالثة، فإن قيماً ومثلاً ستهتز بداخله ردحاً طويلاً من الزمن، وجروحاً غائرة ستظل تؤلمه وتؤذيه لتتحول إلى كوابيس تؤرق ليله وتظلم نهاره ما تبقى له من حياة، وعلى كل خبراء ومختصي وعلماء النفس والاجتماع والدين أن يدركوا ذلك جلياً فضلاً عن بقية الناس، ﻻ بد من رعاية الخائفين نفسياً ومادياً ومعنوياً وصحياً واجتماعياً، وليعلم مَن أشعل هذه الحرب أن اللعنات الأبدية ستطارده حيثما كان، ولو اختبأ في جحر ضب وسط الصحراء المقفرة، أو في أعلى ناطحة سحاب حول العالم!

طفلة تخرج من تحت الأنقاض أشلاء ممزقة، تساءلت والدتها وسُئلت: "بأي ذنب قتلت؟"، بأي جرم قوافل الشهداء تترا ولا يزال التحقيق في أسباب سقوط الموصل صيف عام 2014 مخمراً بانتظار التعتيق ببراميل السراديب المظلمة، سؤال سيظل يتجدد ويحلق عالياً في سماء العراق مع كل مأساة أعقبته، وحتمية الإجابة عليه فرض ﻻ مناص منه ولو بعد حين:
يا صاح ما الموصل الحدباء من وطن ** بل جنان تحملها حواريها

أكثر من 500 شخص غالبيتهم من الأطفال والنساء قضوا بقصف جوي للتحالف الدولي الذي تقوده أميركا استهدف منازل يتخذ بعضها ملاجئ في الموصل الجديدة، لقتل قناص أو قناصين اثنين لداعش يتمترسان فوق بعض المباني القريبة، يأتي ذلك في وقت تتحدث فيه تقارير الأمم المتحدة ومفوضية اللاجئين عن حصار ما يقرب من 400 ألف شخص في الحي القديم غرب المدينة، في ظل وضع إنساني سيئ للغاية وخوف وقلق وترقب!

ﻻ عزاء لهم طبعاً؛ ﻷن جل تعزيات المعزين العرب والأجانب توجهت إلى بريطانيا للتعزية بأربعة أنفار من أصحاب الدماء الزرقاء، ترامب يعلن تقديمه كل إمكاناته إلى بريطانيا لمساعدتها في أزمتها!

ما أتعبني جداً هو تعزية الجامعة العربية، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، لبريطانيا بمصابها، فيما لم يعزِّ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وﻻ منظمة البيبسي كيكو وﻻ الجامحة العصبية، بمئات الآﻻف ممن قتلوا في سوريا وﻻ العراق وﻻ اليمن وﻻ ليبيا ولو لمرة واحدة حسب علمي!

وأتساءل هل غارات التحالف الدولي الذي تقوده أميركا اليوم جاءت انتقاماً وثأراً لما حدث في لندن قبل أيام؟ أم أنه خطأ فعلي في التصويب ﻻ يقتل إﻻ المدنيين كالعادة؟ أقول مستذكراً ملجأ العامرية ربما.

أهالي الموصل بأيسرها وأيمنها بحاجة ماسة إلى إعلان الموصل مدينة منكوبة والمطالبة بتطبيق المادة (99) من ميثاق الأمم المتحدة، بمعنى إلزام المنظمات الدولية والعربية والسماح لها، فضلاً عن المؤسسات المحلية، بالتدخل الفوري لتقديم المساعدات والإعانات العاجلة لنجدة المنكوبين، وعلى السلطتين التشريعية والتنفيذية (مجلس النواب ومجلس الوزراء) تخصيص جلستين طارئتين لمناقشة أوضاع النازحين والمنكوبين وسبل تقديم الرعاية والإغاثة العاجلة اللازمة لهم.

وعلى وزارة الهجرة والمهجّرين ومنظمات المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان تكثيف جهودها في إطار إغاثة النازحين فوراً ومن دون إبطاء، وعلى خطباء الجمعة في أرجاء العراق تخصيص جزء كبير من خطبهم لحث الموسرين على مساعدة المفجوعين وتخصيص صناديق لجمع التبرعات المخصصة لهذا الغرض، ومن ثم العمل الجماعي على شراء ما يحتاجه النازحون، وجمعها في نقاط محددة تمهيداً لنقلها تباعاً إلى هناك، وعلى الكتاب والإعلاميين شحذ أقلامهم وتكثيف تقاريرهم المصورة وحض الناس على مساعدتهم بما يتيسر لهم.

كما يتوجب على الكوادر الطبية تشكيل فرق تطوعية والتناوب فيما بينهم للذهاب إلى مخيمات النازحين، وتقديم الرعاية الصحية اللازمة لهم، وأنوه بأن خيام النازحين مهمة، والمواد الغذائية مهمة، والمياه الصالحة للشرب مهمة، والفرش والأغطية مهمة، ووسائل التدفئة مهمة، والملابس مهمة، والأدوية مهمة، والنفط الأبيض مهم.. الأكفان والتوابيت والعربات الخشبية لنقل الجثامين مهمة أيضاً!

علماً أن أعداد نازحي أيمن الموصل يرتفع باطراد تجاوز حتى الآن 201275 ألفاً منذ انطلاق عمليات استعادة الساحل الأيمن في الـ19 من فبراير/شباط الماضي، يتوزعون حالياً بين مخيمات القيارة و(جه مكور) وحسن شام الأول والثاني ومخيم الخازر وحمام العليل ومخيم مدرج المطار ومخيم الحاج علي ومخيمات جدعة والنركزلية.

وأختم بالقول: يا أيها الإعلامي لطفاً، ﻻ تشبه شيئاً بشيء عند تناول أخبار الكوارث والحروب؛ ﻷن الأذهان ستنصرف إلى الأقدم وتنسى الأحدث، ﻻ تقل الموصل الجديدة كوباني العراق، وفي بعضها كوباني العراق، حتى من دون ذكر الموصل؛ ﻷن من مرر لك هذه الديباجة "الخبيثة" إنما يريد نصرة كوباني ونسيان الموصل؛ لذا اقتضى التنويه، قل مأساة الموصل الجديدة الكارثية من غير استعارة وﻻ تشبيه كما لم تشبه كوباني ساعة محنتها بأحد غيرها، إنهم يخدعونك ليضحكوا عليك وعلى مؤسستك، هذا إن لم تكن ضُحك عليها أصلاً.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد