في بعض الأحايين تتبلد ذكاءاتنا فتتلبسنا وتعتمر رؤوسنا بأفكار متعبة تافهة ولا تمت لإيمانياتنا بصلة، بالأمس وبعدما توثرت مضجعي وذكرت الله كثيراً، حلمت بخزعبلات لا علاقة لها برحمة ربك العزيز الوهاب بل هي (فض) لحركة دماغي النهارية المتهالكة، التي من باب أولى لو اعتمرت الحياء عليها بدل من نسجها ليلاً في منتصف نومي الذي بكل جرأة تعدى الثماني ساعات ونيف! حلمت بأني أرغب في شراء ذهب وأن جدلاً بيني وبين أشخاص عن الذهب والحلي وما أدراك.. صحوت فرحة.. (ذهب.. أحمدك يا رب)، ففتحت ابن سيرين وإذا بي أفاجأ بكراهية الذهب في المنام، الذي يترجمه العالم رحمه الله بسوء الحظ وجلب المشاكل وقلة المحمدة..
فتطيرت، وصرخ قلبي وانقبض، وتلوت على نفسي سلسلة دلالية على سوء طالعي وواردي! وتمايلت أحاسيسي ووددت لو لم أكن في هذه الدنيا البخيلة، فأعددت الشاي وجلست، وما أن مددت يدي نحو كوبي إلا وذبابة تطفو على سطح الكوب! الذبابة بلغتني الأمر، نصيبك هو ما كتبه الله لك حتى وإن بعد أو اعتقدته أو حلمت به، والمنقطع من النصيب لن تناله حتى وإن كان بين يديك، فهذا الشاي الذي بين يديك لن يصل فاك برغم قربه منه، فالأمر ليس بقربه ولا سيطرتك عليه، فلا تملك لنفسك ضراً ولا نفعاً.
تذكرت قصة صانع الأحلام، الذي كان يبيع الناس أحلامهم، فيأتي له شخص يتمنى لو يحلم بشيء معين، فيجلسه الرجل ويسأله أن يصف له بدقة ما يرغب في الحلم به، وعقب تفصيل الحلم المرتقب، يسأله الرجل الحكيم أن يقبض تفكيره عنه حتى يخلد للنوم، وبالتالي ومن المنطقي جداً أن الذي قبضت عليه في صحوك يتفلت منك في منامك، فالنوم موت لا سيطرة سبيل لك معه، فتطلق الأفكار التي تأتي على صورة أحلام بنفس دقة الوصف الذي كان.. فهنا أصبح الناس يصدقون الرجل الحكيم الذي جمع مالاً وعدده من بيع الناس أحلامهم التي يصنعونها بأنفسهم على غفلة منهم.
وعقبما تثاقلت أفكاري بين مؤيد ومعارض لما دار ويدور داخل لبي، تبادلت أطراف الحديث مع أحد الأصدقاء الذي قرب لي بين معاني الحلم وتفسيره والفتوى في التفسير مسقطاً القول على رؤيا أصحاب يوسف (عليه السلام)، ففطنت أن التفاسير المنصوصة في كتب العلماء ما هي إلا علوم ثابتة، وأحلامنا ورؤانا اليومية بالولوج لقصة الحكيم صانع الأحلام ما هي إلا أحداث متحركة تحتك بجدارات العقل الذي يقبض على الأفكار بيد من حديد، بالأخص وأن بعض أقدارنا المكتوبة تتغير بالدعاء وهذا من كرم الله، أن جعل بعض ألواح القدر مشروطة بالعمل والدعاء، فمن المنطق يا (نفسي) أني حينما أدعو الله وأتلو على كلي الآيات المحكمات وأتوثر الفراش والذكر أن تتغير بعض الأشياء من خانة السلب لخانة الإيجاب، فكيف يكون الذهب في النوم شؤماً بعد الذكر؟! عجبي على عقل يصر على التصدع! فوالله لو لم يكن هذا عقلي لاتهتمه بالعقوق والريبة والعياذ بالله، ولكنها سنحة الحركة التي تغير الأفكار والأقدار وتمضي بالأعمار.
فجند الله الثاني هو الحركة التي تلعب الدور الأعظم في (سياق) وسوق الكون، أما جند الله الثالث في هذه الوريقة فهو المنطق والإدراك، فلولا المنطق والإدراك الذي (نادانا) به الله تعالى لما فطنا للحركة ولما تحركت عقولنا بشكل مستمر ولما كانت ذبابة لتدل على رسالة.. الرسالة نفسها جند من جنود الله والذين لا يعلم كنههم إلا هو تبارك وتعالى.
أما جند الله الرحمة فدلتنا على الفطنة وسمحت لنا بالتخبط الذي هو سنحة البني آدم العادي والتخبط جند من جنود الله؛ لأنه لولا تخبطاتنا لما قعدنا بين الجدارات الصحيحة في مقاعد عز عقلية وقويمة.
خلاصة قولي هنا أن الفكرة التي تجول في الدماغ قد تتحول إلى رؤيا أو أضغاث أحلام أو قدر مشروط أو مصير ثابت أو سنحة عمرية أو ملامح وجه أو…أو ..أو… فلنحذر أفكارنا ولنشد من أذر العقل بحشوه بالإيجابية انطلاقاً (بحق التوكل)، حق التوكل ليس شيئاً ثابتاً فهي رسالة كونية تتجدد كخلايا الدماغ، فتجديد التوكل فرض على كل مسلم، حق التوكل مسنود بالمنطق، ومؤطر بالتنبه، فلا نغفل.. الرؤى من واقع تجربتي لا ثوابت لها، وإنما هي كفيلة بتغيير حالك بيدك دون درايتك، فلنحذر مناماتنا حق تقاة ولا نغمض إلا ونحن مؤمنون.
أشكر الله تعالى أن نبه عقلي بذبابة ما فوق عقلي، وأستغفر الله على جهلي وظعني، وأحمد الله على وجوده السرمدي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.