ليس مستغرباً في الحرب أن يكون هناك تراجع من أجل مصلحة عامة أمام المحتل المجرم، فهم الواقع ضمن حسابات المصالح والمفاسد هو امتداد للسياسة الواعية حسب المدرسة الواقعية، والنصر على العدو يحتاج إلى هذا النوع من الفهم.
ليس كل تريث عسكري يعد سيئاً سياسياً، وليس كل نصر عسكري عاجل يعد نافعاً استراتيجياً، وعلينا تذكر أمر مهم جداً أن التحرير يعني سلامة الرهائن من الأهالي الذين أكرهوا على أن يكونوا دروعاً بشرية للدواعش!
الأهالي تحت النار بلا حول أو قوة، وكل من يحاول الهروب يقتل بنيران قناصة داعش، وكل عملية هروب يحققونها لا تخلو من سقوط شهداء وجرحى، عملية تحرير الساحل الأيمن تحت ضغط هذه المعادلة تحتاج إلى وضع خطة غير تعجيزية من أجل سلامة الأهالي والقوات المحررة، مع افتراض أن وحدات داعش اليائسة من النجاة سوف تقاتل حتى آخر لحظة من حياتها العدمية، وهي تصدّر الأزمات والدمار والموت لكل من حولها.
استخدام القنابل والمدفعية والصواريخ غير الذكية في غير ضرورة وبشكل مُبالغ فيه، بالضد من إرهابيي داعش في الساحل الأيمن، لن يُحقق النصر العاجل بل يجعل الدواعش يكسبون ورقةً رابحة، وهي غضب الأهالي من القصف الشديد، الذي من الطبيعي أن يسقط فيه الكثير من ضحايا المدنيين تبعاً من غير قصد، ولكن ذلك سوف يُستثمر لصالح دعاية داعش وأنصاره في تشويه النصر وسمعة القوات المحررة، القصف العنيف في حرب المدن المغلقة والمكتظة بالسكان لم يُحقق نصراً في أي تحرير نظيف وفي أي معركة بالتاريخ،
وأيضاً لم يحقق أي حسم سريع إلا باستخدام أساليب قذرة كتلك التي حدثت في هيروشيما وناجازاكي بمأساة القنبلة الذرية الأميركية، أو باستخدام تكتيك الإنقاذ الذي قامت به القوات الخاصة الروسية لإنقاذ رهائن مسرح موسكو عام 2002، وربما البعض يؤمن بطريقة الإنقاذ التي نفذت في نموذج إنقاذ رهائن كنيسة النجاة في عام 2010، لا تمتلك قوات النخبة العسكرية أساليب كافية لإنقاذ الرهائن في المدن المغلقة أو البنايات المغلقة بعد فشل المفاوضات.
على القيادة المشتركة العراقية أن تعتمد على قوات جهاز مكافحة الإرهاب في تحرير تلك الأحياء المغلقة وعلى المروحيات، وتوخي الحذر، فإن الأخبار الموثوقة والمتواترة من منطقة الموصل الجديدة وباب السراي وباب الطوب مؤلمة جداً، والاعتذار والتبرير والنفي العسكري ليس حلاً.
لم يكن متاحاً لوحدات داعش المعرقلة والمحاصرة داخل أحياء الساحل الأيمن الهروب والعودة إلى الصحراء والنزول على نموذج معركة تدمر والفلوجة والقبول بالهزيمة كأمر واقع، وبالتالي اضطرت عناصرها إلى "بيعة الموت" وهروبهم بعد هذه البيعة نادر جداً؛ لأن هذا هو الانتحار المعنوي.
وما يهمنا هنا هو أثر هذا الحصار على خطط القيادة المشتركة العراقية التي قد إلى تلجأ إعادة توزيع محاور القتال وفقاً لمسرح العمليات، ويتم استبدال محور قوات الشرطة الاتحادية والرد السريع وتسليمه لقوات مكافحة الإرهاب وبالعكس، التكتيك الهادئ الذي اعتمدته قوات مكافحة الإرهاب في جنوب وغرب الساحل الأيمن كان أكثر إنتاجاً وأقل نسبة بالأخطاء غير المقصودة في صفوف الأهالي والأبنية، والتي تكشف التقارير الأممية والإغاثية الكثير من أبعادها على أكثر من 400 ألف إنسان فقط داخل المدينة القديمة.
في شوارع المدينة القديمة داعش لا تزال تملك مفاتيح تعديل الموقف، قنص وكمائن وكثافة سكانية وشوارع ضيقة، وبفتح قوات النخبة العراقية محاور متعددة وبشكل متسلسل ومنسق، كما كان في معركتي معسكر الغزلاني ومطار الموصل؛ حيث شكل مباغتة تكتيكية، وهذا نموذج يمكن البناء عليه لتحقيق الاختراق في معركة أبواب المدينة القديمة "السراي والطوب ولكش والجديد والبيض".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.