آخر صيحات الموضة "الإفتائية" الآن: أن ما أصاب الشعب السوري من تهجير وتقتيل وتعذيب وتشريد، إلى آخره، من فعْل أيديهم وبسببهم وهم الملامون ويستحقون ما يحدث لهم؛ لأنهم أطاعوا دعاة الخروج على الحاكم، وليس بأيدينا إلا الدعاء لهم.
الحالة السورية مجرد مثال، ولكن لو عدنا لدائرة التاريخ، لوجدنا المسألة ذاتها في دول الإسلام، يختلف الحاكم الجزار، وتتشابه أساليب السلخ، والجديد أننا الآن نسمع ونرى عبر وسائل الإعلام الحديث ماذا يحدث للشاة!
يلبسون على العامة بادعاء أن ما حدث في سوريا خروج على الحاكم والمسألة أبعد ما تكون عن ذلك، والحاكم أبعد ما يكون عن "حاكم مسلم له السمع والطاعة في المنشط والمكره".
شعب مسلم مكلوم لم يطلق رصاصة إلا دفاعاً عن العرض والأرض والمال والنسل والحرث، رفَع السلاح ليصدّ صائل المجرمين القتلة عن نفسه، فصار هو الخارجي، ولم يفعل إلا بعد أشهر من التصفيات بقنص المتظاهرين، واقتحام المنازل وسحب عائلات إلى السجون وبدء الترهيب بأقذر الأساليب من نظام حاكم لا يفهم شرعَ دينٍ وقانون دنيا، ورغم هذا استمر وعّاظ القعود في تثبيط الأمة وتشجيع الخنوع وتعطيل فرض جهاد الدفع، والقبول بالظلم بمقابل مخدر "الأمن والأمان".
ذاك قولهم، أما قول الله جل جلاله: "وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَةً" بأن العذاب الإلهي سيتعدى الظالم حتى يعم من رأى الظلم ولم يأخذ على يد الظالم.
وجاء في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده".
ولمبتدعة "السلفية الإرجائية": بيّن الشيخ ابن تيمية في "منهاج السنة": "إن الظالم يظلم فيبتلى الناس بفتنة تصيب من لم يظلم فيعجز عن ردها حينئذ، بخلاف ما لو منع الظلم ابتداءً فإنه كان يزول سبب الفتنة".
الفساد والاعتداء على حقوق البشر والظلم وعدم تطبيق الشرع وانتقائية إنزال القوانين والعقوبات واستضعاف الناس، هو الظلم الذي بسببه تأتي الفتن، العدل يقيم الدول وينصرها، والظلم يمحقها ويهزمها أياً كان دينها، سُنة الله في الأرض وهي لا تحابي أحداً.
سؤال وسْط لَيّ النصوص: أين أفضل الجهاد إذاً: كلمة الحق عند سلطان جائر؟!
إن "بيعة الكاثوليك" التي ينتهجها من يخوِّفون الناس من الوقوف بوجه الظلم وتعطيل أوامر الله وسُنة نبيه سوء فهم للإسلام، الدين الكامل الذي جاء لرفع الظلم وإرساء العدل ووضع التشريعات لحفظ النفس والعرض والنسل والمال جعل الصبر على الابتلاء فضيلة، والوقوف بوجه الظالم استخلافاً، والمطالبة بالحق قوة، وإنكار المنكر واجباً.
إن تيار التطرف في طاعة ولاة الأمور الذي يقوده "مرجئة جدد" غلو في تفسير النص، وكفر المظلوم بالإسلام لاعتباره حامياً للظالم، أكبر مفسدة.
الأمة الوسط يجب ألا تتزمت بمنهاج "الرأي الأوحد"، فقد تُرك لها فُسح وسُكت عن كثير، وتعدد المدارس الفقهية فيه تخفيف ورحمة، وما جاء محمد صلى الله عليه وسلم إلا رحمة للعالمين.
فأين الفتنة في مطالبة الشعب السوري المظلوم الصابر برفع الظلم عنه بعد نصف قرن؟!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.