بين زلّة لسان أخنوش وإعفاء بنكيران

الأولوية اليوم؛ هي تشتيت القرار السياسي للحكومة بين أغلبية مريحة عددياً، لكنها مهزوزة سياسياً، لا رابط بين مكوناتها، فالماسكون بخيوط اللعبة يريدونها حكومة ضعيفة ومتحكَّم فيها، من خلال توزيع الحقائب الوزارية بين عدد كبير من الأحزاب، التي تأتمر بأوامر عزيز أخنوش، الذي سيكون رئيس الحكومة الحقيقي.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/26 الساعة 01:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/26 الساعة 01:54 بتوقيت غرينتش

"الأحلام هي الطريق الملكي للاشعور". هذه هي خلاصة دراسة عميقة لسيغموند فرويد عن الأحلام ضمّنها كتابه القيّم "تفسير الأحلام". ومنذ دشن فرويد الأبحاث في هذا المجال، شملت دراسات علم النفس مناحي أخرى كانت مهملة، كزلّات اللسان مثلاً، التي يمكن اعتبارها هي الأخرى "طريقاً ملكياً" لدراسة وتحليل بِنْية للاشعور. ولعل هذا ما يعنيه المثل الدارج "اللسان ما فيه عظم"، أي إنه يفضحنا أحياناً وينطق بأشياء نحاول جاهدين إخفاءها.

مزحة ثقيلة
في أحد لقاءات المجلس الحكومي، رد عزيز أخنوش، رئيس التجمع الوطني للأحرار، على بنكيران عندما قال له: "اجي كون رئيس حكومة بلاصتي"، بالقول إنه سيصير رئيس حكومة 2021.

بعد خروج الخبر للإعلام ولتفادي التشويش أكثر على مشاورات تشكيل الحكومة، حاول مقربون من بنكيران التخفيف من حدة هذه "الفلتة" والقول إنها كانت مجرد مزحة، إلا أن ما يعتمل اليوم في الواقع يجعلنا ندرك أن مؤامرة ما كانت تحاك منذ ظهور نتائج الانتخابات، للانقلاب على المنهجية الديمقراطية، أحد الثوابت المهمة التي جاء بها دستور 2011.

هذه الزلة ليست مهمة فقط لتحليل السلوك السياسي لواحد من اللاعبين الأساسيين اليوم في المشهد الحزبي ببلادنا؛ بل تكمن أهميتها في كونها "طريقاً ملكياً لفهم لا وعي الدولة العميقة".

"البام" في ثوب جديد
هناك اليوم مؤشرات قوية تدل على أن "الأصالة والمعاصرة" قد انتهى، لكن انتهاءه كحزب لا يعني أبداً انتهاءه كمشروع. فقد أنعشت انتكاسة الثورات العربية في سوريا وليبيا ومصر "التحكم" من جديد بعد هزيمته في 2011، عندما بدأت أنظمة حديدية تذوب كجبال الجليد الواحدة تلو الأخرى أمام شعارات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

ما يحدث اليوم من انقلاب صريح على المنهجية الديمقراطية مؤشر كبير على أن هؤلاء قد بدأوا بالفعل يستعيدون مواقعهم داخل دوائر القرار، وأنهم قد شرعوا بالفعل في إزاحة المنافسين من الذين يؤمنون بالمشاركة السياسية والتعددية الحزبية وتقاسم السلطة والانتقال إلى الديمقراطية وغيرها من المفاهيم العصرية.

كان بإمكان الجهات إياها التي دبرت رئاسة أخنوش لـ"الأحرار" أن تُعيَّنه رئيساً لـ"الأصالة والمعاصرة" بديلاً عن إلياس العماري. كان من السهل على هذه الجهات دفع العماري للاستقالة بناء على نتائج الانتخابات، وتُعيِّن أخنوش مكانه، في انتظار عقد مؤتمر استثنائي لإضفاء الشرعية على هذا التعيين بالتصفيق والصفير كما جرت عليه العادة في مؤتمرات "البام".

لكن الواضح أن هذا الحزب، الذي وصفه بنكيران غير مرة بأنه "أصل تجاري فاسد" و"يحمل معه خطيئة النشأة الأولى" ودعاه لحل نفسه في أكثر من مناسبة، قد فشل في لعب الدور الموكول إليه، لذلك قررت الدولة نفض يدها منه.

لذلك، لن يستطيع "البام" المنافسة في المستقبل وقد يتقهقر إلى مراتب متأخرة في الخريطة الحزبية. يتضح هذا أيضاً من الخرجات الأخيرة لقيادته، والتي بدأت تعاني "التيه"، وخاصة خرجات كبير "الباميين" إلياس العماري وابتزازه جهات في الدولة بالملفات التي يمتلكها.

الفقه الدستوري الباطني
لم يحظَ فصل في دستور 2011 بهذا الكم من النقاش كما حظي به الفصل الـ47، ورغم أن هذا الفصل، الذي ينص على تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدّر الانتخابات البرلمانية، مكتوب بلغة واضحة لا تقبل التأويل، فإن أصحاب "التفسير الباطني"، الذين صدمتهم نتائج انتخابات 7 أكتوبر/تشرين الأول، لم يدخروا جهداً في تأويله تأويلاً باطنياً عرفانياً.

وهنا، لا بد من التذكير بأن المشرع لم يغلق الباب أمام تعيين رئيس حكومة من الحزب الثاني خلال تعديل الدستور؛ لأن هذه القوس كانت ستنسف هذا الفصل من أساسه؛ إذ لا معنى للقول بتعيين رئيس الحكومة من الحزب الثاني في حال فشل الحزب الأول، مع وجود أحزاب إدارية متحكم في قرارها.

عملياً، هناك 3 آليات لتعديل الدستور أو بعض مقتضياته، فإما أن يأتي التعديل بطلب من الملك وإما من رئيس الحكومة وإما من البرلمان. لذلك فالرهان اليوم كل الرهان هو ضبط الخريطة الحزبية داخل مجلسي البرلمان؛ تحسباً لأي تعديل، لهذا سينزل التحكم بثقله في مؤتمر حزب الاستقلال القادم لإعادته صاغراً إلى بيت الطاعة.

صحيح، القيام بمثل هذا الأمر في هذه الظروف التي نعيشها اليوم مستبعد إلى حد كبير، لعدة اعتبارات، رغم أن دعاة الانقلاب على المنهجية الديمقراطية بدأوا يتحدثون عن الموضوع بكثير من الجرأة، لكن المؤشرات الموجودة اليوم تسير كلها في اتجاه إمكانية تعديل هذا الفصل قبل تمام الولاية الحكومية الحالية، ما دامت الأساليب المجربة لم تنفع في قص أجنحة الـ"بيجيدي"، التي يبدو على العكس من ذلك أنها تطول يوماً بعد آخر.

رئيس حكومة 2021
ليس من السابق لأوانه الحديث عن رئيس حكومة 2021، ما دام الرئيس المكلف عرقلة إخراج حكومة بنكيران إلى الوجود السيد عزيز أخنوش، قد خانه لسانه وفضحه هو ومن يقفون خلفه. واضح إذاً أن الدولة لا ترغب في استثناءات، وغير قادرة على التعايش مع رئيس حكومة لولايتين، لذلك بدأت تعد السيناريو لوقف هذا المد، رغم أن الحكومة المقبلة ستكمل ولايتها إلى غاية 2021، كما قال أخنوش نفسه.

الأولوية اليوم؛ هي تشتيت القرار السياسي للحكومة بين أغلبية مريحة عددياً، لكنها مهزوزة سياسياً، لا رابط بين مكوناتها، فالماسكون بخيوط اللعبة يريدونها حكومة ضعيفة ومتحكَّم فيها، من خلال توزيع الحقائب الوزارية بين عدد كبير من الأحزاب، التي تأتمر بأوامر عزيز أخنوش، الذي سيكون رئيس الحكومة الحقيقي.

الحقيقة تظهر مع زلات اللسان
سيناريو "البلوكاج" هذا، كان أحد السيناريوهات المتداولة بقوة قبيل انتخابات 7 أكتوبر، أي إن "العدالة والتنمية" سيتصدّر المشهد الانتخابي، وإن الملك سيعين الأمين العام للحزب رئيساً للحكومة وفق المنهجية الديمقراطية، لكن ستوضع العراقيل في طريق بنكيران؛ حتى لا يتمكن من جمع أغلبيته، ومن ثم دفْع القصر لتعيين بديل عنه أو دفعه هو للاستقالة.

المطلوب اليوم، هو طحن عبد الإله بنكيران؛ لأنه نجح فيما فشل فيه سلفه. نجح في الحفاظ على تماسك حزبه من الناحية التنظيمية من جهة، ونجح من جهة أخرى في الحفاظ على شعبيته كأنه كان زعيماً في المعارضة طوال الخمس سنوات الماضية وليس رئيساً للحكومة.

ثم بعد ذلك، طحن الدستور في أفق طحن حزب العدالة والتنمية على أبواب الانتخابات المقبلة، ومن ثم تعبيد الطريق أمام أخنوش ليكون رئيساً لحكومة 2021.
وختاماً، فإن "الحقيقة تظهر مع زلات اللسان"، كما قال فرويد.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد