جعلت أزمة تشكيل "الحكومة" كلاً من عبد اللطيف وهبي، النائب البرلماني والمحامي، وحسن طارق، الخبير في القانون الدستوري، يصدران كتاباً جديداً يحمل عنوان "الفصل 47″، يناقشان من خلاله ظاهرة التفسيرات الدستورية المحتملة للخروج من أزمة ما بات يعرف بـ"البلوكاج الحكومي"، ويتميز الكتاب بمشاركة ثلة من الخبراء في المجال السياسي والدستوري بدراسات معمقة حول الفصل نفسه.
عبد اللطيف وهبي أورد في دراسته التي عنونها بـ"ظاهرة الفصل 47" المنشورة في الكتاب ذاته، أن التعامل مع الفصل 42 سيكون هو "المدخل الحاسم للنقاشات الدستورية موضوع الأزمة الحالية، وقد يقطع مع المزاجية البراغماتية الضيقة في تفسير الدستور؛ بل سيقطع الطريق على كل من يفسر الفصل الدستوري انطلاقاً من الفعل السياسي".
واعتبر الفاعل البرلماني بالمغرب أن "التعامل مع الفصل 47 بنوع من البراغماتية الحزبية الضيقة هو ضرب للعملية الدستورية كلها، وإلغاء للقاعدة التي نص عليها الفصل 98 كذلك ما للملك من مكانة ودور وفقاً للفصل 42 من الدستور"، مؤكداً أن سلطة الملك تمتد إلى تفسير هذا الفصل.
وللخروج من "أزمة تشكيل الحكومة"، لم يستبعد البرلماني عن حزب "الأصالة والمعاصرة" خيار التحكيم الملكي، بالقول إن "التحكيم الذي من مهام الملك لا يمكن أن يكون موضوع حسابات عددية لتأسيس أغلبية ما، ولكن دوره هو بلورة تصور دستوري يمنح حقاً مكتسباً لهذا الحزب أو ذاك، مع إمكانية الانصراف على المكتسب في حالة الأزمة إلى حل بديل يكون له الأساس الدستوري".
وأوضح وهبي في دراسته أن "من مصلحة البلد أن يكون الهدف هو احترام المكونات الديمقراطية بنتائجها، وأن يكون ذلك هو الهم الأساسي لأطراف العملية السياسية، وليس التمسك بمكسب سياسي حزبي مرحلي ضيق؛ لأن الموضوع يظل دائماً هو الوطن، ويبقى الكرسي مجرد مكسب محدود في الحجم والزمن"، مضيفاً: "وعليه كيف ما كان قرار الملك في تفسير الفصل 47، فإنه سيكون تفسيراً تستحضر فيه صفة إمارة المؤمنين لاستحالة الفصل، وهذه السلطة من المفترض أن تكون مصدراً من مصادر سلطة الإمارة، ويبدو أن هذا الموقف يساير موقف ومرجعية الأحزاب الإسلامية تجاه ولي الأمر".
وقال المحامي إنه "وبارتباط مع ما نعيشه اليوم من وضعية سياسية متلبسة بسبب تعثر تشكيل الحكومة، نجد أن الحزب الحاصل على المرتبة الأولى في نتائج الانتخابات الأخيرة يعتبر أن أي تفسير للنص الدستوري مخالف لتفسيره الذاتي يعد مساساً بحقه في إدارة الشأن العام، وهذا الموقف الصادر عن الحزب الأول في حقيقة الأمر هو تصرف لا دستوري، وموقف غريب قد تترتب عليه نتائج قانونية ودستورية".
إلى ذلك اعتبر وهبي أن الاتجاه نحو خيار إعادة الانتخابات قد ينتج عنه إفراز أزمة مماثلة حتى ولو أعيدت الانتخابات لعدة مرات، موضحاً: "فتصبح في وضعية لا تتحملها لا السياسة ولا الاقتصاد، وقد ينتهي بنا المطاف لأن نكون سجناء اجتهاد من الصعب التراجع عنه مستقبلاً".
وفي مقدمة الكتاب أكد حسن طارق أن الفصل 47 من الدستور تحول إلى بؤرة مركزية للنقاش العمومي، مشيراً إلى أن هذا الفصل الذي طالما اعتبر ترجمة لمبدأ المنهجية الديمقراطية، وتنزيلاً واضحاً من المرتكزات السبعة لخطاب التاسع من مارس/آذار 2011، مليئاً بالبياضات بالنسبة للبعض والالتباس بالنسبة لآخرين فيما اعتبر جزء من الفاعلين أن الفصل قد أصبح في حاجة قصوى إلى تعديل جزئي مستعجل.
ويرى الكثير من الخبراء في مجال القانون الدستوري أنه بعدما طالت أزمة "تشكيل الحكومة" بالمغرب، فإن الخيارات تقلصت إلى حد عدم قدرة الفاعل السياسي على تقديم إلى اقتراح عملي من شأنه أن يفك عقدة "البلوكاج"، ويبقى الحل الوحيد بين يدي ملك البلاد لاعتبارات دستوري وسياسية وتاريخية ودينية كذلك.
فبالرغم من أن الكتاب الذي أصدر من كبار المثقفين في البلد ومن المهتمين بالمسألة الدستورية، اختلف أغلب الباحثين المشاركين في إعداده حول القراءات الدستورية والسياسية للفصل 47 من الدستوري، فإن حالة الانسداد التي وصلت إليها مفاوضات تشكيل الحكومة بين الأحزاب السياسية المعنية (العدالة والتنمية، التجمع الوطني للأحرار، التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية"، أصبحت تلوح بحل وحيد حسب مراقبين، ويتعلق بتدخل الملك بشكل مباشر أو غير مباشر لحل "البلوكاج" الحكومي.
ويقول الفصل 47: "يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدّر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها، ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها".
ومن الفصل نقرأ أن "للملك -بمبادرة منه- بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضواً أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم، ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم الفردية أو الجماعية".
ومنه كذلك أنه "يترتب على استقالة رئيس الحكومة إعفاء الحكومة بكاملها من لدن الملك. تواصل الحكومة المنتهية مهامها تصريف الأمور الجارية إلى غاية تشكيل الحكومة الجديدة".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.