قصة الدعم في مصر من فاروق إلى السيسي

تعود بداية تقديم الدعم من قِبل الحكومة المصرية في فترة الحرب العالمية الثانية، في عام 1941، قامت حكومة النحاس بتطبيق برنامج دعم لكافة المواطنين، كإجراء مؤقت لتخفيف حدة الآثار السلبية للحرب على مستوى المعيشة، تكلف ذلك البرنامج مليون جنيه مصري

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/23 الساعة 05:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/23 الساعة 05:47 بتوقيت غرينتش

الدعم الحكومي هو مساعدة مالية ترصدها الدولة لدعم قطاعات إنتاجية أو خدمات لها طبيعة حيوية لكنها محدودة المردودية، ومن أهدافه كذلك توفير مواد استهلاكية أساسية أسعارها ليست في متناول الفئات الاجتماعية الأقل دخلاً عبر صندوق يسدد الفارق بين سعر البيع والسعر الحقيقي للسلع.

ويعد ملف الدعم أهم الملفات التي تشغل بال المصريين وتجذب انتباههم، وإن كان السواد الأعظم من المصريين لا يكترثون بسياسات الدولة الخارجية وكثير من قراراتها الداخلية، لكن ذلك الملف الذي يمس قوت يومهم ومعيشتهم يوليه المصريون اهتماماً بالغاً، وكان ذلك الملف دائماً إحدى أهم الأوراق التي سعى حكام مصر منذ عام 1952 وإلى اليوم إلى الاستفادة منها وتجنب الأضرار الناتجة عن العبث بها.
وللدعم الحكومي في مصر تاريخ طويل..

النحاس باشا (1)

تعود بداية تقديم الدعم من قِبل الحكومة المصرية في فترة الحرب العالمية الثانية، في عام 1941، قامت حكومة النحاس بتطبيق برنامج دعم لكافة المواطنين، كإجراء مؤقت لتخفيف حدة الآثار السلبية للحرب على مستوى المعيشة، تكلف ذلك البرنامج مليون جنيه مصري، وقد تم تطبيقه من خلال توفير بعض السلع والاحتياجات الأساسية مثل السكر، والكيروسين، وزيت الطعام، والشاي، بنظام الحصص، وذلك باستخدام نظام البطاقة التموينية لتوزيع المواد على المستهلكين شهرياً، وبمقدار محدد للشخص الواحد في الأسرة، وقد تم إلغاء الدعم الحكومي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية واستقرار الأوضاع التجارية والاقتصادية عالمياً.

مصر الاشتراكية (2)

بعد نجاح انقلاب الضباط الأحرار في عام 1952 وتحديداً بعد اتجاه الإدارة المصرية الجديدة للتحول من النظام الرأسمالي الإقطاعي إلى النظام الاشتراكي، واتخاذ مجموعة قرارات أبرزها الإصلاح الزراعي، بدأت الحكومة في تطبيق سياسات جديدة لتكون الحكومة مؤثرة وتصبح لاعباً رئيسياً في الاقتصاد المصري، وكانت سياسات الحكومة تقتضي بأن تكون الدولة هي المسؤولة والمؤثرة في حياة المواطنين تشبهاً بالمعسكر الشرقي السوفييتي، ولهذا بدأت الحكومة في تبني سياسة دعم شاملة وموسعة تشمل تقريباً كل قطاعات الحياة في مصر، وسعت لتقديم دعم مباشر مثل دعم السلع الغذائية، أو ما يعرف في مصر بالتموين، وقدمت الحكومة الدعم غير المباشر للهيئات الحكومية لسد العجز بها، مثل السكك الحديدية وهيئات النقل العام والشركات الحكومية، مثل الكهرباء والماء وغيرها، هذا بالإضافة إلى الدعم الضمني الذي شمل دعم التعليم والصحة والمحروقات والإسكان وغيرها.

بدأ العمل باستخدام البطاقات التموينية في مصر لتوفير بعض السلع الرئيسية غير المتوفرة بعد نكسة 1967 نتيجة نقص بعض السلع من جراء الحرب، وكانت تلك البطاقات تقوم بتوفير الدقيق والسكر والصابون والكيروسين والأرز وزيت الطعام وبعض المنتجات القماشية.

واستمر الحال كما هو عليه في السبعينات وتمت إضافة بعض السلع التموينية مثل البقوليات وبعض المجمدات مثل الدجاج واللحوم، مع الإبقاء على دعم المواصلات والكهرباء والمحروقات؛ لتصل قيمة الدعم المباشر عام 1970 لـ20 مليون جنيه مصرياً، أي تقريباً ضعف ما كانت عليه في الستينات.

انتفاضة الخبز (3)

"يا ساكنين القصور الفقرا عايشين في قبور
يا حاكمنا في عابدين فين الحق وفين الدين
سيد مرعي يا سيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه
عبد الناصر ياما قال خلوا بالكم م العمال
هو بيلبس آخر موضة وإحنا بنسكن عشرة ف أوضة
بالطول بالعرض حنجيب ممدوح الأرض
لا إله إلا الله السادات عدو الله".

تلك كانت الهتافات التي زلزلت أرجاء مصر في يومَي 18 و19 من يناير/كانون الثاني عام 1977، أعلن عبد المنعم القسيوني. نائب رئيس الوزراء للشؤون المالية في مجلس الشعب، قرارات الحكومة التقشفية الجديدة التي تهدف لسد عجز الموازنة، تلك القرارات التي أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية، مثل الخبز والسكر والشاي، وزيادة الجمارك على البضائع المستوردة.

انطلقت المسيرات والاحتجاجات تجوب شوارع محافظات مصر، واشتعلت انتفاضة شعبية انضم لها الطلاب والعمال والموظفون، حَرقت أقسام شرطة، دَمرت الممتلكات العامة والخاصة، اعتقلت الشرطة الآلاف، وأسفرت تلك الأحداث عن مقتل العشرات وإصابة المئات، أحس السادات بخطورة الموقف واستشعر التهديد المحيط بنظامه، فقرر إلغاء قرارات التقشف وإعلان حالة الطوارئ، وأمر بنزول الجيش إلى الميادين لحماية الممتلكات، وتم إعلان حظر التجوال. في ظرف ثلاثة أيام، وبالتحديد في يوم 21 يناير رُفع حظر التجوال وعاد الجيش لثكناته، انتهت تلك الانتفاضة، انتفاضة الخبز كما سماها المنتفضون، أو انتفاضة الحرامية كما رآها السادات.

تعد تلك الانتفاضة أكبر التحركات الشعبية في تاريخ حكم المؤسسة العسكرية لمصر منذ 1952 لم يضاهِها في الحجم إلا 25 يناير، ولكنها انتهت بمجرد إعلان التراجع عن قرارات التقشف وعودة الأسعار.

كانت الأحوال الاقتصادية قبل تلك القرارات غاية في السوء، لم تتحقق وعود الرخاء أو التنمية التي وعد بها السادات، وجاءت تلك القرارات لتزيد الأمور سوءاً، ولكن المتظاهرين والمنتفضين كانوا على علم بأنه بالرجوع عن تلك القرارات لن تتحسن الأمور، ولكنها سوف تعود إلى ما كانت عليه، وإن كان سيئاً هو الآخر، ولكن المتظاهرين اختاروا الشيطان الذي يعرفونه، ولم يجازفوا بما هو مجهول.

مبارك (4)

الرجل الذي كان نائباً للسادات عن حدوث انتفاضة الخبز، لم يحاول أن يقع في نفس خطأ السادات ويقدم على خطوة بتلك القوة.

الرجل كان يدرك أن الدعم الحكومي الذي يمثل أكثر من 18% من حجم المصروفات للدولة يعد عائقاً وعبئاً على عاتق الدولة، ولكن إزالته بالقوة أمر لن يجدي وله في التجربة الساداتية نموذج، اختار مبارك استراتيجية الأنفاس الطويلة، فكانت خطته تهدف لخفض الدعم على المدى الطويل، فبدأ بتخفيض عدد السلع المدعومة وكذلك التوقف عن إضافة المواليد الجدد للبطاقات التموينية، وكذلك تقليل وزن رغيف الخبز ورفع سعره نسبياً، وكذلك العمل على تقليل جودة الخدمات المقدمة من الحكومة، مثل التعليم والصحة من أجل توجيه المقتدرين للتوقف عن استخدام تلك الخدمات، والاتجاه للكيانات الخاصة الاستثمارية منها، كما أن الرجل قام بحذف العاملين بالخليج من بطاقات التموين.

ولكن الرجل كان أكثر ذكاء ممن سبقوه ويبدو أنه أذكى من خلفائه، فالرجل الذي لم يرفع الدعم كلياً، استفاد كثيراً من مشكلات الدعم في توجيه الشعب والرأي العام للتنفيس وإخراج الغضب الداخلي، فمشكلة أسطوانات غاز البوتاجاز وطوابير الخبز وتأخر صرف المواد التموينية التي كانت الحديث الدائم للبرامج الحوارية، تلك المشكلات التي كانت تهدف لإلهاء الشعب عن المشكلات الأكبر، وفي نفس الوقت كانت صمام الأمان لإخراج الغضب الزائد.

مرسي (5)

لم يكن مرسي موفقاً في كثير من قراراته، ولكنه كان موفقاً في اختياره لوزير تموينه ( باسم عودة)، ذلك الرجل الذي من الممكن أن نقول إنه الوزير الوحيد من حكومة هشام قنديل آخر حكومات مرسي، الرجل الذي لاقى استحسان قطاعات واسعة من الشعب المصري من المؤيدين والمعارضين، استطاع الرجل القيام بتحسين منظومة الخبز والارتقاء بمستوى وزارة التموين، ولكن رياح الثلاثين من يونيو/حزيران لم تمهله لإكمال ما بدأ.

لم يحاول مرسي وحكومته المساس بالتموين، بل عملوا على تحسينه، ولكن مشكلات الدعم الضمني المتمثلة في انقطاع الكهرباء وعدم توافر المحروقات، كانت أحد أكبر أسباب الغضب ضد مرسي وحكومته، قبل أحداث الثالث من يوليو/تموز.

المشير (6)

ذلك الرجل صاحب الخلفية العسكرية الذي كان في بداية حكمه بعد إطاحته بمرسي يعد المصريين بما ستكون عليه الحالة في مصر، وأنها سوف تكون (أم الدنيا) على حد قوله، ولا ننسَ حواره الذي تحدث فيه مع إبراهيم عيسى ولميس الحديدي بأنه لا يمكن رفع الدعم عن المواطن إلا بعد زيادة المرتبات، وأنه سوف (يغني الناس)، على حد قوله، وحديثه كثيراً أنه لن يتم رفع أسعار السلع الأساسية مهما كان سعر الدولار، وكما قال في نفس الحديث إنه (لن يحدث تصعيد في الأسعار بشأن السلع.. وده وعد)، لكن لم يلبث أن تغيرت الأمور كثيراً لدرجة لم يتخيلها أحد، فبعد اتجاه عبد الفتاح السيسي لصندوق النقد الدولي للحصول على قرض، اختلفت الأمور كثيراً وتبددت كل وعود الرجل؛ ليقوم الرجل في أقل من عامين بخفض الدعم مرتين متتاليتين عن المحروقات التي أدت إلى ارتفاع أسعار المحروقات إلى ما يقرب من 78%، كما أن تعويم الجنيه كان كفيلاً برفع أسعار المواد التموينية إلى الضعف والثلاثة أضعاف في مواد أخرى، كما أن الرجل لم يتوقف عند هذا الحد؛ بل قام برفع الدعم عن الكهرباء في خطة من الحكومة لرفع الدعم الكلي عن الكهرباء في غضون خمس سنوات، كما قامت الحكومة بحذف 20 مليون مصري من مستحقي التموين، وتقليل الحصص التموينية للباقين على لائحة مستحقي الدعم.

يقوم عبد الفتاح السيسي بخطوات سريعة للتخلص من الدعم، ولكن هل الرجل الذي تحدث عن إمكانية نشر الجيش في ست ساعات في مصر، يدرك جيداً خطورة خطواته تلك، وإلى أي مدى سوف يتحمل الشعب تلك الضربات؟!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد