لن يستقر العراق، ما استمر الرعب لدى الساسة من إيران والسعودية والقلق -يكاد يصبح حالة مرضية- من "مد صفوي" و"مد وهابي" يتربص بهم وأوهام عن مشروع تآمري عليهم.
ولقد مرت بضعة شهور على "ورقة التسوية السياسية"، وما زال المشهد السياسي العراقي يعيش في حالة فوضى وابتزاز، تهديدات بين الكرد والعرب، وحروب التحرير بين القوات المشتركة وداعش، وكذلك التناقضات الطائفية بين السنة والشيعة، كل هذه لا تسمح بالاستقرار الأمني والاقتصادي في أغلبية المحافظات العراقية، إضافة إلى أن فرص الحلول الجذرية لا تلوح في الأفق، خصوصاً في المدن المحررة من داعش والجغرافية المتنازع عليها.. بكلمات أخرى، العراقيون كلهم يشتغلون على تحقيق مكسب تعزيز السلطات أو تعزيز مكتسبات الهويات الفرعية، وكسب المزيد من الثروات، وبعض الساسة على قناعة بأن المحاصصة السياسية هي سبب كل هذه المشاكل، وأنهم لا يتحملون المسؤولية عن أفعال الشركاء.
هناك عدة أسباب دفعت بالعراق إلى الفوضى السياسية الحالية، أبرزها الفساد المالي والإداري في أوساط الأحزاب المسيطرة على الحكم والإدارة في العراق؛ حيث إن القائد الحزبي والمقربين منه يسيطرون على أموال الوزارة والمؤسسات والدوائر التي تكون ضمن حصّتهم، ونتيجة لذلك فإن الأموال التي يجب أن تذهب للاستثمار في التنمية والبِنى التحتية، تذهب إلى جيوب القادة الفاسدين والمقربين منهم، الذين بفضل علاقاتهم يحصلون على الوظائف الرفيعة دون أن تكون لهم الكفاءات المهنية والقيادية، وهجرة العقول، خصوصاً من أبناء الطبقة الوسطى وأبناء الأقليات الذين يبذلون قصارى جهدهم للهجرة من العراق، من أجل إيجاد العمل في مكان آخر؛ لأن بلادهم لا تقدرهم أو تطاردهم بسبب انتمائهم العرقي أو الطائفي أو الحزبي.
في الواقع تحاول إدارة ترامب تشكيل تحالف سُني جديد بمساعدة حلفائها السنة في تركيا والسعودية والأردن والإمارات وقطر، وليس بديلاً عن الوجوه التي أنشأتها ظروف المرحلة السياسية الحالية ولا السابقة، واشنطن عادت للعراق نهاية عام 2014 لقتال داعش، ثم بدأت تخشى من خروجها في مرحلة ما بعد داعش، حتى لا يتكرر الخطأ الذي حدث بعد عام 2011، والذي مثل السبب الرئيسي في انحدار العراق أمنياً واقتصادياً وسياسياً!
التحالف السني الجديد لا يعد تحدياً للمكونات المنتصرة (الكرد، والشيعة) في الحرب على داعش، أطلقته الضرورة الدولية لجمع الساسة السنة تحت سقف بيت واحد مع شركائهم في العراق، وكل من يراقب يعلم أن حرباً كردية – كردية أو شيعية – حكومية أو كردية – شيعية، قد تكون هي القادمة، بسبب الصراع على تعزيز السلطات وتقسيم الثروات على حساب السنة والأقليات، هذا الخطر لا يمكن عرقلته أو تخفيفه إلا بصناعة قيادة موحدة للسنة؛ لتفاوض وتحاور المنتصرين من الشركاء.
لذلك فإن التحركات السياسية السنية التي رصدها الإعلام في جلسات حوارية ونقاشية بعضها في إسطنبول وعمان وأخرى في الرياض والدوحة وجنيف وأنقرة، لا تقتصر على الموالاة للعملية السياسية فحسب، بل تشمل المعارضة السنية بشقيها السياسي والمسلح.
هذه الجلسات النقاشية برعاية بعض دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول الجوار السني، لم تقلق حكومة الدكتور العبادي، وقد جاءت بظروف ربما تقلق طهران التي تستعد للمجهول، وهي تدرك أنها سوف تخسر نفوذها في سوريا واليمن، ولم يبقَ لها من أوراق للتفاوض عدا ولاء بعض حلفائها في العراق، ولعلها تسارع لشن هجمات إعلامية استباقية لإفشال تلك المساعي، إلا إذا كانت جزءاً منها، وهذا صعب جداً مع إدارة ترامب التي تتحفظ كثيراً من إيران.
لسنا هنا لنفهم لماذا تم اختيار نفس الوجوه السنيّة التي هي جزء وشريك في مشكلة انحدار العراق، ما نفهمه أن إدارة ترامب تدعو إلى سرعة تشكيل تحالف سني سياسي لاستعادة زمام الأمور من تأثير إيران، وحتى لا تضعف الزعامة السياسية السنية أكثر فأكثر حتى تذوب بما يعرف بالتشيع السياسي أو الاستكراد السياسي، وبالتالي تبدأ حرب الهوية التي صنعت لداعش وأخواتها حواضن هددت العالم كله.
إن هذا التحالف السني ضروري بالنسبة لمن يهتم بمكافحة الإرهاب في العراق وسوريا، وهو ممارسة سياسة ضغط على إيران بطرق أخرى، فالمسألة الحالية هي جلسات نقاشية برعاية دوليّة وفرض تنازلات على الجميع كأمر واقع، وأما التحالفات التي قد تظهر لاحقاً فأوراق قوة وضغط.
وعلينا الإقرار بأن هذا التحالف قد لا يقدر على تحمل أعبائه كثير من القادة السنة، وخاصة الذين جربوا وفشلوا من قبل، لكن تبقى هذه الفرصة فيها شيء من الأمل الذي لا يخلو من لعب الكبار.
كانت نواة جبهة التوافق السنية سابقاً هي الاحتياط السياسي للسنة، ثم تفرقت وحل محلها تحالف سني؛ ديني وعروبي وبعثي وليبرالي، ثم تفرقوا إلى سُنة موالين لمحور الدول السنية، وسُنة موالين لمحور إيران، هذه التحالفات الجديدة تحاول أن توحد الموالين لمحور الدول السنية، وتستقطب أكبر عدد ممكن من محور الموالين لإيران.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.