إن ترسيخ القواعد الأوتوقراطية والاستبدادية لعقود من الزمن في مجموعة من الدول العربية، وما أفرزه من إنتاج نظام مغلق شمولي، أدى في نهاية المطاف وبالتحديد سنة 2011 إلى موجة غضب وحراك جارف لهذه الأنظمة المستبدة والمستعبدة شعوبها لفترات من الزمن ليست بالقصيرة، فكانت هذه السنة لحظة تاريخية ومفصلية للقضاء على الظلم والطغيان، وكان الشباب في اللحظة والموعد، ولعبوا دوراً بارزاً ومحورياً في هذا الحراك، ما دفع ذلك الصوت الشجي في ميادين تونس، الذي هرم وشاخ من أجل قدر استجاب، وانجلى معه الظلم والاستبداد الذي عمّر ردحاً من الزمن، وتم تكسير جدار الخوف والاستبداد، "هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية…".
عند إعادة النظر في هذا المقطع والمشهد بعد مرور سبع سنوات، يقشعر البدن وتذرف العين الدمع من شدة المشهد ومن شدة اللحظة، لقد سقط جدار الخوف وسقط المستبد وأزلامه، وسقط معه جدار اليأس والقهر والإحباط، وشيدت بروج الأمل وصرح أمل في غد أفضل يتجاوز ويقفز على سنوات طوال من الاستبعاد والبؤس الاجتماعي، ومصادرة الحق في الكلام والنقد.
لقد أينع الربيع العربي، وأينعت معه أحلامنا في العيش داخل وطن يحفظ كرامتنا ويعترف بمواطنتنا كاملة غير منقوصة، يوفر لنا فرصاً للشغل، ويحقق العدالة الاجتماعية ويقلص الفوارق الفسيحة داخل المجتمع.
في خضم وغمرة هذه الثورات التي عجزت الأنظمة عن الإمساك بخيوطها، ظهرت في المغرب ما سمي بحركة 20 فبراير/شباط، كحركة احتجاجية، تطالب بالديمقراطية والملكية البرلمانية، والعدالة الاجتماعية وإسقاط رموز الفساد.
واليوم ها نحن نخلد الذكرى السابعة لحركة 20 فبراير، لكن في هذه الذكرى السابعة تطاردنا مجموعة من الأسئلة، أين هي هذه الحركة، وماذا تبقى منها؟ وماذا تحقق وماذا تغير بعد مرور هذه السبع سنوات؟ ما موقعها داخل وجدان المغاربة وداخل المجتمع المغربي ككل؟ ألم تصبح هذه الحركة جزءاً من الذاكرة والماضي المغربي؟
لقد أمسى تاريخ عشرين فبراير في التاريخ المغربي وفي الذاكرة المغربية، تاريخ حراك شباب مغربي، خرج للشارع كما خرج قبله شباب تونس ومصر، ورفع شعارات تنبذ الفساد وتشجب كل أنواع القهر وتكريس الفوارق الاجتماعية، وتطالب بالملكية البرلمانية ومحاسبة رموز الفساد، تاريخ عشرين فبراير لحظة تاريخية لها دلالة ورمزية في العقل ووجدان الشعب المغربي، لكنها تبقى لحظة تاريخية وجزءاً من الماضي المغربي، خفت نجمها، وتقلص وهجها بفعل مجموعة من العوامل، وتكتيكات السلطة التي أعلنت بعد انبلاج هذه الحركة في الشارع عن إجراء تعديلات دستورية، كانت بمثابة نزع الفتيل من هذه الحركة وإخمادها.
لقد انكسرت شوكة حركة عشرين فبراير، التي وخزت النظام لفترة زمنية وجيزة، وبعدها تقوت شوكة النظام والسلطة، فلم يتحقق مطلب الملكية البرلمانية، وظلت المؤسسة الملكية محور الحياة السياسية، ونافذة داخل النسق السياسي وداخل الهندسة الدستورية، ولم يتم القضاء على الفساد، ولم تتحقق العدالة الاجتماعية، وظلت أرقام البطالة تراوح مكانها، وامتلأ الفضاء العمومي احتجاجاً على السياسات العمومية.
في ضوء هذه المعطيات وهذا الواقع، لم نرَ حركة عشرين فبراير خرجت أو دعت إلى الاحتجاج، لقد خرج الأساتذة المتدربون محتجين على حقهم في التوظيف، وشهدنا النقابات العمالية تحتج في الفضاء العمومي ضد السياسة الحكومية، وخرج الشعب هاتفاً "كلنا محسن فكري".. لكن لم نشاهد حركة عشرين فبراير في الشارع تطالب بالذي لم يتحقق.
حركة عشرين فبراير ستبقى طاغية وحاضرة في الذاكرة المغربية، كحركة استطاعت أن تحرك سكون الجماهير المغربية، وتوقظهم من سباتهم في كهف الصمت على الفساد والاستبداد والاستعباد الاجتماعي، لكنها غابت اليوم ولم يعد لها حضور ولا صيت، إلا في تاريخ عشرين فبراير من كل سنة، وتذكرها في سياق الأسباب التي دعت إلى التعجيل بالتعديل الدستوري.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.