ما وراء زيارات البشير لـ”أبوظبي”

إلا أن مصادر في حزب البشير لا تخفي هواجسها من تبعات هذا التقارب، وترى أنه سيكون على حساب إحداث تغيير في الطابع الإخواني لنظام الخرطوم إرضاءً لأبوظبي التي لا تحبذ صعود تيارات الإسلام السياسي

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/01 الساعة 02:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/01 الساعة 02:28 بتوقيت غرينتش

في الآونة الأخيرة، أصبحت الزيارات الخارجية للرئيس السوداني عمر البشير تستحوذ على حظ وافر من النقاشات والجدل، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، فما إن تعلن الرئاسة السودانية أو وزارة الخارجية عن زيارة للرئيس إلى دولة ما حتى تجد الكثير من الشباب والمهتمين يتساءلون عن جدوى زيارات البشير التي لا تكاد تتوقف، إلا لفترات بسيطة بين زيارة وأخرى.

عمر البشير الذي لا تزال تحركاته الخارجية مقيدة بمذكرة التوقيف التي أصدرتها محكمة العدل الدولية عام 2009، ينحصر نطاق جولاته في عدد قليل من الدول العربية الإفريقية، نادراً ما يتخطاها، وأضيفت أخيراً إلى تلك الوِجهات منطقة الخليج العربي عقب انضمام السودان إلى تحالف عربي بقيادة السعودية.

خلال الأيام الماضية، زار البشير المملكة العربية السعودية للمرة العاشرة خلال عامين، وجاءت الزيارة بعد فترة بسيطة من قرار رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن على الخرطوم بداية من عام 1997م، كان لافتاً أن الحكومة السودانية وجّهت الشكر للسعودية والإمارات لدورهما في القرار الأميركي الذي قضى بتخفيف العقوبات الاقتصادية عن حكومة البشير.

المحطة الأخرى التي نالت نصيباً مقدراً من زيارات البشير الخارجية هي دولة الإمارات العربية المتحدة، رغم حساسية أبوظبي من جماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها كمنظمة إرهابية، في الوقت الذي تُعتَبر فيه حكومة عمر البشير امتداداً لجماعة الإخوان، حتى وإن خفف نظام المؤتمر الوطني "الحاكم" من أيديولوجية وأفكار الجماعة منذ عام 1999 الذي شهد إقصاء حسن الترابي عرّاب الإخوان المسلمين في السودان.

دخلت العلاقات بين الخرطوم وأبوظبي توتراً واضحاً عندما أظهرت دولة الإمارات عدم رضاها عن سياسات نظام البشير عام 2013؛ حيث أصدر وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش بياناً انتقد فيه تعامل السلطات السودانية مع احتجاجات سبتمبر/أيلول 2013، التي اندلعت إثر قرار برفع دعم الوقود وسقط خلالها ما لا يقل عن 200 قتيل، حسب تصريحات منظمات حقوقية دولية، إضافة إلى ذلك، صدر عن مركز بحثي إماراتي – مدعوم رسمياً- كتاباً انتقد بشدة تجربة الإسلاميين في حكم السودان، مبيناً أنها تشكل نموذجاً لفشل الإخوان، غير أن الخرطوم ابتلعت تلك الإهانات، وفضّلت الصمت، ربما حرصاً على ما تبقى من علاقات تاريخية مع دولة الإمارات.

الزيارة الأولى للبشير إلى الإمارات، كانت قبل حوالي عامين، حملت الكثير من الرسائل السياسية والاقتصادية والعسكرية بين البلدين، لمحاولة تطبيع العلاقات بعد مرحلة من الفتور والتوتر استمرت عدة أعوام، تركزت المحادثات بين الجانبين الإماراتي والسوداني على العلاقات التجارية والاستثمارات، إلى جانب أوضاع العمالة السودانية، واعتبر مراقبون أن تلك المحادثات أزالت هواجس إماراتية أدت إلى فتور في علاقاتها مع السودان، وصلت إلى حد وقف المعاملات المصرفية، كما أثرت على وضع العمالة السودانية، خصوصاً في إمارة أبوظبي التي توقفت لفترة غير قليلة عن إصدار أذونات العمل والإقامة للمواطنين السودانيين.

أما زيارة البشير الثانية، فقد تزامنت مع دعوات شبابية لعصيان مدني في السودان، تذمراً من الأوضاع الاقتصادية المتردية، اختلفت الرؤى بشأن نجاحه من فشله، لكنه كان كفيلاً بالتشويش على زيارة الرئيس السوداني التي استمرت لأيام كثيرة دون نتائج ملموسة على أرض الواقع.

ما لفت الانتباه في زيارة البشير تلك، التجاهل الشديد الذي وجده من حُكام الإمارات آنذاك؛ حيث لم يجد في استقباله إلا وزير شؤون الرئاسة، ولم تحظَ زيارته باهتمام إعلامي يليق برئيس دولة إلا من خبر مقتضب وزَّعته وكالة الأنباء الرسمية.

كذلك، لم تكن على جدول الزيارة المطولة أية لقاءات أو مباحثات رسمية؛ إذ اقتصرت على لقاء تشريفي لولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد مع البشير، جاء على حلبة مرسى ياس لسباق السيارات!

تلك التطورات أجّجت غضب نشطاء التواصل السودانيين الذين رأوا أن رئيسهم يتجاهل معاناة شعبه ويتفرغ لمتابعة سباق السيارات.

طريقة الاستقبال والوداع التي وجدها الرئيس السوداني في زيارته أزعجت حتى صحفيين محسوبين على الحزب الحاكم مثل الهندي عز الدين الذي تساءل عن أسباب ما حدث؛ إذ إن دول الخليج ترسل رسائل واضحة من خلال طريقة استقبالها لرؤساء الدول وليس هناك مجال لأخطاء بروتوكولية في هذا الشأن.

لكن الزيارة الحالية للبشير جاءت بعكس ما حدث في الزيارات السابقة؛ حيث حظي باستقبال لافت وتغطية إعلامية مضخمة، زيادة على تكريمه بأرفع وسام في دولة الإمارات "وسام زايد" اعترافاً بمشاركة السودان في التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن وتشارك فيه دولة الإمارات.

لا يمكن فصل الاستقبال الحافل عن الوديعة التي ضختها أبوظبي مؤخراً في بنك السودان المركزي والتي بلغت نحو نصف مليار دولار، ما يشير إلى دخول العلاقات بين الدولتين مرحلة جديدة تتغلب فيها لغة المصالح على الأيديولوجيات والخلافات.

إلا أن مصادر في حزب البشير لا تخفي هواجسها من تبعات هذا التقارب، وترى أنه سيكون على حساب إحداث تغيير في الطابع الإخواني لنظام الخرطوم إرضاءً لأبوظبي التي لا تحبذ صعود تيارات الإسلام السياسي، بينما يعتقد آخرون أن هناك تفاهمات تمت بين الجانبين السوداني والإماراتي في موضوع حرب اليمن، تتولى بموجبه قوات سودانية مهمات قتالية على الأرض لصالح دولة الإمارات، أو تخفيف الوجود الميداني للجنود الإماراتيين هناك.

أمر آخر لا يمكن إغفاله في تقديرنا هو أن التقارب مع دولة الإمارات قد يؤدي إلى توتر علاقات السودان مع دولة قطر التي تتنافس الإمارات على النفوذ، خصوصاً أن الدوحة ظلت لفترة طويلة الداعم الأول والحليف الوفي لنظام البشير الذي كان يعيش في شبه عزلة من دول الخليج لفترة من الفترات، وكان البشير لا يتوقف عن زيارة قطر بمناسبة وبدون مناسبة!

على الصعيد الاقتصادي، يقدر إجمالي الاستثمارات الإماراتية في السودان بحوالي (6.7) مليار دولار موزعة على (114) مشروعاً زراعياً وصناعياً وخدمياً، تم إنجاز الكثير منها، فيما يتواصل العمل لإنجاز البعض الآخر، وذلك وفقاً للإحصائيات الأخيرة الصادرة من مركز المعلومات بالجهاز القومي للاستثمار في السودان.

كما أن هناك نحو (20) مشروعاً زراعياً للإمارات تم تنفيذها فعلياً في السودان بتكلفة إجمالية تبلغ (5,7) مليار دولار، بجانب وجود (61) مشروعاً خدمياً بتكلفة (695) مليون دولار المنفذ منها في حدود (400) مليون دولار، وفي القطاع الصناعي هناك (33) مشروعاً إماراتياً بتكلفة (4.6) مليار دولار المنفذ منها في حدود (600) مليون دولار.

أما وقد نجحت الزيارة الأخيرة لعمر البشير، فإن الشعب السوداني يتطلع إلى رؤية نتائج ملموسة على الأرض تخفف من وطأة التدهور الاقتصادي، الذي لا تحسه الحكومة ولا يشعر به منسوبوها، لكن ذلك يبدو حلماً بعيد المنال في ظل الفساد المستشري بأنواعه، والبيروقراطية والتضارب بين الأجهزة الحكومية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد